تستعد مدينة فاس، العاصمة العلمية للمملكة، المعتدة بذاكرة من اثني عشر قرنا، للاحتفاء بيومها السنوي، الذي تقرر في شهر يناير 2011، والذي يتزامن مع وضع أسسها الأولى عام 808، وذلك تخليدا لتاريخ ضارب في العراقة وإشعاع كوني متواصل.
ويتعلق الأمر بمحفل عمومي للنقاش والمبادرة ينصب على مختلف جوانب تطور فاس وتحولاتها، وهي المدينة الحارسة لتراثها، المنفتحة على العالم والمتشبثة بنمط حياتها الخاص.
كما تشتهر الحاضرة الإدريسية، التي تم إدراجها في قائمة التراث العالمي للإنسانية من طرف منظمة اليونسكو، بتعدد معالمها الأثرية، بما في ذلك تسعة آلاف منزل تاريخي، و11 مدرسة، و43 مدرسة قرآنية، و83 ضريحا، و176 مسجدا، وجامعة القرويين، بالإضافة إلى 1200 ورشة عمل حرفية فنية ومدابغ تقليدية كبيرة.
وتشكل فاس فضاء للفن والثقافة والروحانية بامتياز، ونموذجا حيا للمدينة المتوسطية والمدينة العربية الإسلامية، وبأبراجها الرائعة وجدرانها الخلابة. وتحاول المدينة، حاليا، استعادة مجدها ومواجهة التحديات لضمان تنميتها المحلية وتعزيز انطلاقها الاقتصادي.
ويشكل هذا اليوم الاحتفالي، الذي اعتمد عام 2011 من قبل جمعيات المجتمع المدني الناشطة في مجال حماية التراث والبيئة والمواطنة، فرصة للتعبئة وبحث الآليات الكفيلة بتنزيل رؤية استشرافية تواكب التوسع الحضري للمدينة وجعلها على سكة قطار التنمية المستدامة.
كما أن هناك مبادرات ومشاريع تنموية تهدف إلى إعادة المدينة لوهجها الثقافي ومجدها السابق من بينها برنامج ترميم 27 من المعالم الأثرية والمواقع التاريخية لمدينة فاس، وحوالي أربعة آلاف مبنى مهددة بالانهيار والسقوط، بالإضافة إلى المدابغ والجسور والمدارس التي شيدها الأدارسة ما بين القرنين الثالث عشر والرابع عشر، والتي انطلقت الأشغال بها باستثمارات تزيد عن 615 مليون درهم.
ووفقا لوكالة التنمية وإعادة تأهيل مدينة فاس فإن هذه العملية تتوخى إذكاء وبث دينامية اجتماعية واقتصادية وثقافية جديدة في سياق محمل بالتاريخ والتراث، وكذا ضمان استدامة الآثار، مع جعل هذه المواقع فضاءات لخلق فرص العمل والثروة، والتي سيعاد ضخ إيراداتها في عمليات الحفاظ على التراث الثقافي للمدينة العتيقة.
وتتعلق مبادرة أخرى بإعادة الدينامية لهذه المدينة والنهوض بتراثها، من خلال فتح فنادقها الشهيرة الشماعين والسبيطريين والسطاونيين أمام أنشطة حرفية في طور الاندثار وأنشطة ثقافية وسياحية متنوعة، وهذه النفائس المعمارية التي تعود إلى القرنين ال13 وال14، استعادت حياتها ومعها بعدا غائرا من تراث المدينة العتيقة.
كما ينبغي التوقف، في هذا السياق، عند البرنامج التكميلي لتثمين المدينة العتيقة لفاس، الذي تم تقديمه أمام صاحب الجلالة الملك محمد السادس في 14 ماي الماضي بالقصر الملكي بالرباط.
ويروم هذا البرنامج، الذي يكلف غلافا ماليا يناهز 583 مليون درهم، الرفع من جاذبية المدينة لدى الساكنة، وخصوصا الطبقة المتوسطة والزوار أيضا.
وتهم المشاريع المسطرة في إطار هذا البرنامج ستة محاور كبرى تشمل تأهيل 11 معلمة تاريخية ورمزية، وترميم دور العبادة، وأنشطة الصناعة والتجارة التقليديتين و37 موقعا آخر، منها 30 نافورة فضلا عن تأهيل الموقع التاريخي لدار الماكينة.
ويظل الاحتفاء باليوم السنوي لفاس مناسبة لتكثيف قنوات النقاش المفتوح حول الوضع الراهن للعاصمة العلمية والرؤية المستقبلية في أفق استراتيجية تبتغي إقلاعا لمخططات التنمية بالمدينة وتعزيز تنافسيتها الاقتصادية.