فرنسا: جدل سياسي وقانوني بعد ترحيل مواطن مغربي أشعل سيجارة من “الشعلة الأبدية”

أثار قرار السلطات الفرنسية بترحيل مواطن مغربي جدلاً سياسيًا وقانونيًا واسعًا، بعد ظهوره في مقطع فيديو وهو يشعل سيجارة من “الشعلة الأبدية” المخصصة لتخليد ذكرى “الجندي المجهول” تحت قوس النصر بباريس.

وتعود تفاصيل الحادث إلى 4 غشت الجاري، حين أظهر مقطع مصوَّر التقطه سائح لاتفِي، المواطن المغربي حمدي حكيم (47 عامًا) – وهو مشرد – وهو يجلس قرب الشعلة الأبدية ويشعل سيجارة قبل أن يغادر بهدوء وسط أنظار السياح. سرعان ما انتشر الفيديو على منصة “تيك توك” وأثار موجة استنكار واسعة.

وفي اليوم الموالي، اعتقلت الشرطة الفرنسية حكيم ووجهت له تهمة “انتهاك حرمة موقع جنائزي”، وهي جريمة يعاقب عليها القانون الفرنسي بالسجن لمدة تصل إلى سنة وغرامة قدرها 15 ألف يورو (نحو 17,450 دولارًا). كما كشفت وسائل إعلام يمينية أن المتهم معروف لدى الشرطة وله 21 سابقة عدلية، بينها السرقة وإهانات عنصرية.

وزير الداخلية الفرنسي، برونو ريتايو، وصف الفعل بأنه “إهانة بالغة لذكرى من ضحوا من أجل فرنسا”، وأعلن – وفق إذاعة Europe 1 – سحب تصريح إقامته الذي كان ساريًا حتى أكتوبر 2025، تمهيدًا لترحيله إلى المغرب. وقد لقي القرار دعمًا واسعًا من الساسة اليمينيين، فيما وصفت وزيرة الذاكرة وشؤون المحاربين القدامى، باتريسيا ميراليس، الحادثة بأنها “تصرف غير لائق على الإطلاق”.

في المقابل، تساءلت النائبة البرلمانية عن حزب التجمع الوطني، لور لافاليت، عن كيفية منح الإقامة لشخص بهذا السجل الإجرامي، معتبرة الحادث دليلاً على “فشل” سياسات الهجرة في فرنسا.

لكن ردود الفعل اليسارية كانت على النقيض؛ إذ اعتبرت أحزاب يسارية أن القضية لا تتعلق بالوطنية بقدر ما تعكس نزعة عنصرية. حزب “النضال العمالي” (Lutte Ouvrière) هاجم وزير الداخلية ووصفه على لسان الناطقة باسمه، ناتالي أرثو، بـ “المتبجح العنصري” الذي استغل حادثًا بسيطًا للترويج لأجندة معادية للمهاجرين. وأشارت أرثو إلى أن “الجندي المجهول قد يكون مغربيًا”، في إشارة إلى آلاف الجنود المغاربة وشمال الأفارقة الذين قاتلوا إلى جانب فرنسا خلال الحربين العالميتين. وانتقدت ما وصفته بـ “الازدواجية في الغضب”، قائلة: “يغضبون من سيجارة، لكنهم لا يذكرون الجنرالات الذين أرسلوا الملايين للموت في 1914”.

لم يقتصر الجدل على الجانب السياسي بل أثار الملف تساؤلات قانونية، إذ شكك محامون – منهم المحامي المناهض للعنصرية هنري براون – في مدى انطباق تهمة “انتهاك حرمة موقع جنائزي” على الواقعة، مستندين إلى المادة 225-17 من القانون الجنائي الفرنسي، ومشيرين إلى أن التوصيف القانوني للفعل قد لا يرقى إلى “التدنيس” بالمعنى القضائي الصريح.