فضيحة أموال الدعم الاجتماعي.. 4 مليارات في 4 أشهر بين الصفقات المشبوهة والغنيمة الانتخابية

منذ تأسيس الوكالة الوطنية للدعم الاجتماعي، ظلّ الرهان المعلن يتمثل في تحقيق العدالة الاجتماعية وضمان وصول الدعم إلى مستحقيه، خصوصًا في ظل الأزمة الاقتصادية وضغط المؤشرات الاجتماعية. غير أن المعطيات التي كشفتها البرلمانية فاطمة التامني، عن فدرالية اليسار الديمقراطي، في سؤال كتابي موجه إلى رئيس الحكومة عزيز أخنوش، تضع هذه المؤسسة في قلب جدل سياسي ومالي جديد.

وأكدت فاطمة التامني، بالأرقام، أن الوكالة أبرمت في ظرف لا يتجاوز أربعة أشهر، بين أبريل وغشت 2025، سلسلة صفقات بلغت قيمتها الإجمالية 40,947,379.80 درهم، أي ما يفوق 4 مليارات سنتيم، مذكّرة أن هذا المبلغ كان يمكن أن يُترجم إلى دعم مباشر بقيمة 500 درهم لما يزيد عن 80 ألف أسرة مغربية. هذا الربط بين الكلفة والبديل الاجتماعي يكشف الخلفية السياسية للسؤال، حيث تُوضع الحكومة في موقع الدفاع عن أولوياتها في الإنفاق.

القائمة التي أوردتها التامني تضم 12 صفقة، أبرزها، المناقصة رقم 10/ANSS/2025 بقيمة 14,145,000.00 درهم، والمناقصة رقم 04/ANSS/2025 بقيمة 5,664,000.00 درهم، والمناقصة رقم 03/ANSS/2025 بقيمة 4,661,600.40 درهم، والمناقصة رقم 01/ANSS/2025 بقيمة 4,270,752.00 درهم، وباقي الصفقات تراوحت بين 96,858.00 درهم و4,002,000.00 درهم.

وركزت البرلمانية على أن بعض هذه المبالغ “تبدو مبالغًا فيها” بالنظر إلى طبيعة الخدمات أو المعدات موضوعها، خاصة في مجالات الاستضافة، الدراسات، التهيئة، الخدمات الرقمية، وكراء السيارات لفترات طويلة. هذا الموقف يعكس خطابًا سياسيا ناقدًا يربط مباشرة بين تضخيم محتمل للكلفة وغياب معايير واضحة لترشيد النفقات.

لكن البعد السياسي في هذه القضية يتعمق عند الحديث عن المديرة العامة للوكالة، وفاء جمالي، التي تم تعيينها في أكتوبر الماضي، والتي تربطها علاقة مباشرة بحزب التجمع الوطني للأحرار؛ فقد شغلت سابقًا منصب مديرة ديوان رئيس الحزب، ومستشارة لوزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية، إضافة إلى مسؤولية التخطيط الاستراتيجي في مجموعة “أكوا القابضة” المرتبطة بعزيز أخنوش. هذا المعطى يجعل الشبهات التي تثيرها المعارضة لا تقتصر على الجانب المالي، بل تمتد إلى تخوفات من توظيف المؤسسة لأغراض انتخابية، خصوصًا مع اقتراب الاستحقاقات التشريعية لسنة 2026.

ومن بين النقاط الحساسة التي أثارتها فاطمة التامني أيضا، صفقة إنتاج فيلم “مؤسساتي”، التي ربطتها بمخاطر الاستغلال الانتخابي. هذا البند بالتحديد يضع الملف في منطقة رمادية بين العمل المؤسسي المحض، والدعاية السياسية المقنّعة.

ويأتي هذا الجدل في سياق توتر بين الحكومة والمعارضة حول إدارة المال العام وشفافية الصفقات العمومية، خصوصًا في المؤسسات التي تتعامل مباشرة مع الفئات الهشة. كما أن توقيت إثارة الموضوع، قبل أقل من عامين على الانتخابات التشريعية، يضفي عليه بعدًا انتخابيًا واضحًا، حيث تحاول المعارضة إبراز تناقض بين الخطاب الرسمي عن دعم الفقراء، والممارسة الفعلية في صرف الموارد.

وفي هذا السياق، يظل السؤال المطروح، هل ستستجيب الحكومة لدعوة فتح تحقيق شفاف في هذه الصفقات؟ أم أنها ستتعامل مع الملف باعتباره جزءًا من المناكفات السياسية العادية؟ في كلتا الحالتين، فإن الرأي العام أمام أرقام ومعطيات موثقة تضع الوكالة الوطنية للدعم الاجتماعي في قلب معركة سياسية ستستمر على الأرجح إلى غاية الانتخابات المقبلة.