فضيحة بـ”الاستعجال القصوى”.. أخنوش يفتح الباب أمام التهراوي لإبرام صفقات بالمليارات خارج القانون وضد التوجيهات الملكية

هاشتاغ

في الوقت الذي يدعو فيه ك الملك محمد السادس، في كل خطاباته السامية، إلى الشفافية في تدبير المال العام، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وتحقيق العدالة المجالية في الولوج إلى الخدمات الصحية، اختارت عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، ومعه أمين التهراوي، وزير الصحة والحماية الاجتماعية، أن يسيرا في الاتجاه المعاكس تماماً، بقرار استثنائي يثير الكثير من الجدل ويضرب في العمق روح التوجيهات الملكية.

ففي خطوة مثيرة وخطيرة في آن، منح عزيز أخنوش ترخيصاً رسمياً لوزير الصحة يخول له التحرر من مسطرة المنافسة العمومية، واللجوء إلى الصفقات التفاوضية المباشرة لإنجاز مشاريع ترميم وتأهيل المستشفيات العمومية عبر مختلف جهات المملكة، وهي مشاريع تُقدّر بمليارات الدراهم من المال العام، وتُدار في غيابٍ شبه تام للشفافية والتنافسية والمراقبة المؤسسية.

هذا القرار الذي تم تمريره في مراسلة رسمية موجهة إلى وزير الصحة والحماية الاجتماعية والوزير المكلف بالميزانية والخازن العام للمملكة، جاء متستراً وراء عبارة “الاستعجال القصوى”، بدعوى أن المؤسسات الصحية “تعيش وضعية متدهورة وحرجة من حيث البنايات والتجهيزات والمنشآت التقنية”.

غير أن هذه العبارة البيروقراطية، التي تُستعمل اليوم كذريعة، تخفي خلفها قراراً سياسياً بامتياز يكرّس منطق الاستثناء بدل القاعدة، ويعيد إلى الواجهة سؤال احترام التعليمات الملكية الصريحة التي شددت مراراً على ضرورة القطع مع كل أشكال الارتجال والفساد والزبونية في تدبير الصفقات العمومية.

فلا شيء يبرر هذا التوجه سوى إرادة سياسية في الالتفاف على روح القانون. فالمواد الصريحة في المرسوم رقم 2.22.431 المتعلق بالصفقات العمومية تؤكد أن اللجوء إلى المسطرة التفاوضية لا يتم إلا في الحالات القصوى والاستثنائية، كالكوارث الطبيعية أو الأحداث الطارئة التي تهدد الأمن العام أو الصحة العمومية في لحظتها.

أما ما قامت به الحكومة فهو توسيع مفتعل وغير مشروع لمفهوم “الاستعجال”، لتبرير قرارات تتعلق بمشاريع ضخمة تمتد على شهور وسنوات، لا بأوضاع طارئة تستدعي التدخل الفوري.

لقد وقّع رئيس الحكومة، بيده على وثيقة تُفرغ القانون من مضمونه، وتمنح لوزيره في الصحة سلطة تفاوض مباشر مع شركات بعينها دون منافسة، ودون فتح المجال أمام باقي المقاولات الوطنية لتقديم عروضها. وهذا يعني عملياً أن مليارات الدراهم ستُصرف في الظل، بعيداً عن أعين الرأي العام وعن المساطر العادية التي تضمن النزاهة وتكافؤ الفرص.

وإذا كان أمين التهراوي، وزير الصحة والحماية الاجتماعية، قد حاول في البرلمان الحديث عن “إصلاح عاجل للمنشآت الصحية المتهالكة”، فإن حجته لا تصمد أمام منطق القانون ولا أمام التوجيهات الملكية التي جعلت من إصلاح المنظومة الصحية ورشاً استراتيجياً للدولة، قوامه التخطيط الرصين والشفافية في التدبير وربط كل درهم من المال العام بنتائج قابلة للقياس والمساءلة. فالإصلاح لا يتم بقرارات فوقية وارتجالية، ولا من خلال منح امتيازات غير مبررة تحت غطاء “الاستعجال”.

إن المفارقة الصارخة في هذا القرار أن الحكومة التي تتغنّى بخطاب الإصلاح والفعالية، اختارت في الواقع طريق التجاوز الإداري والصفقات الغامضة. فالترخيص بالصفقات التفاوضية في قطاع حساس كالصحة لا يعبّر عن إرادة إصلاحية، بقدر ما يعكس رغبة في التحكم في مسار الإنفاق العمومي بعيداً عن الشفافية والمنافسة، وهو ما يتنافى جذرياً مع الرؤية الملكية التي تؤكد أن “لا أحد فوق القانون، ولا يمكن لأي مرفق عمومي أن يُدار خارج مبادئ الحكامة الرشيدة”.

إن هذا القرار يعيدنا إلى منطق ما قبل الإصلاح، حيث تُدار المشاريع الكبرى من المكاتب المغلقة، وتُبرم العقود بمساطر استثنائية تفتح الباب واسعاً أمام تضارب المصالح والريع المقنّن. فبدل أن تبني الحكومة ثقة المواطنين في المؤسسات، اختارت أن تُعيد إنتاج نفس الآليات القديمة التي كانت سبباً في فقدان تلك الثقة أصلاً.

ويحمل توقيع عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، على هذا الترخيص رسالة مقلقة: أن منطق “الحكم بالاستثناء” ما زال قائماً، وأن القانون يمكن تأويله وفق المزاج السياسي للحكومة.

أما أمين التهراوي، وزير الصحة والحماية الاجتماعية، فبدل أن يجعل من وزارته نموذجاً في الحكامة والشفافية، وجد نفسه في قلب عاصفة الشك، بعد أن ربط اسمه بصفقات “الاستعجال”، في وقت يُطالب فيه الرأي العام بالمحاسبة وتدقيق النفقات العمومية.

لقد دعا جلالة الملك في أكثر من مناسبة إلى تخليق الحياة العامة وتثبيت الشفافية في كل السياسات العمومية، وخاصة تلك التي تمس حياة المواطنين وصحتهم وكرامتهم. لكن يبدو أن الحكومة الحالية لم تستوعب بعد أن التوجيهات الملكية ليست شعارات تُرفع في الخطب، بل أوامر عليا تُترجم في الممارسة اليومية بالانضباط للقانون، لا بالتحايل عليه.

وبهذا القرار، لا يكون عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، وأمين التهراوي، وزير الصحة والحماية الاجتماعية، قد أطلقا إصلاحاً جديداً، بل أعادا فتح الباب على مصراعيه أمام منطق الريع المقنّن والصفقات الغامضة، في وقتٍ كان المغاربة ينتظرون فيه إصلاحاً يعيد الثقة في الدولة لا أن يهزها من جديد.

لقد تحوّلت “حالة الاستعجال القصوى” إلى غطاء سياسي وقانوني لصفقات تُدار في الخفاء، فيما المطلوب اليوم هو استعجال حقيقي في المحاسبة والشفافية، قبل أن يتحول الإصلاح الصحي إلى عنوان جديد للفوضى المنظمة باسم القانون.