بقلم: ادريس الأزمي الإدريسي*
خلال الندوة الصحفية التي نظمها حزب العدالة والتنمية يوم 19 دجنبر 2024 بخصوص تضارب المصالح الذي وقع فيه رئيس الحكومة بنيل شركة يملكها في إطار تحالف شركات لمشروع إنشاء محطة تحلية مياه البحر بجهة الدار البيضاء – سطات، قدم الحزب العديد من المعطيات الدستورية والقانونية والعملية الدامغة التي تؤيد بما لا يدع مجالا للشك شبهة تضارب المصالح.
وبعد طول صمت أو الهجوم على الحزب بالوكالة وبدفوعات متهافتة، استدعت فرق الأغلبية الحكومية مجتمعة الوزير المكلف بالميزانية ورتبت سؤالا آنيا بصيغة موحدة، خلال الجلسة الأسبوعية للأسئلة الشفوية ليوم الاثنين13 يناير 2025، لتفسح له المجال لإنقاذ رئيسالحكومة من ورطة تضارب المصالح، على الأقل في شقها الجبائي.
وفيما اعتبر ردا من الوزير على الحزب بخصوص استفادة الشركة الحاملة لهذا المشروعمن السعر المخفض للضريبة على الشركات البالغ 20% عوض السعر العادي البالغ 35%، على إثر التعديل الذي تم تقديمه في دجنبر 2022، بمجلس المستشارين وقبلته الحكومةخلال مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2023.
جاء في دفاع الوزير أنه “من بين الإجراءات المهمة التي تم اتخاذها في سنة 2023 قلنا بأنه حينما سنقوم برفع الشركات التي تحقق أكثر من 100 مليون من 30% إلى 35%”غادي يديرولينا la filialisation”..وفي نفس السنة تم تفعيل صندوق محمد السادس للاستثمار وبطلب منه ولتجنب هذه الأمور قلنا بأن الشركات التي ستحدث اليوم والتي تستجيب لمجموعة من الشروط”، ومنها “يجب أن تستثمر مليار ونصف في العقارات المجسدة ثم أنتحافظ عليها لمدة لا تقل عن 10 سنوات.. سنقوم بجعلها في 20% كيفما كان مستوى ربحها…”
وبطبيعة الحال هذا الدفاع غير دقيق ويثير الاستغراب والعديد من الأسئلة ومن أهمها:
أولا-الوزير ينسب هذا التخفيض للحكومة ويدعي بأن هذه الأخيرة وارتباطا بكونها رفعت الضريبة على الشركاتالتي تحقق أكثر من 100 مليون من 30% إلى 35 %، تخوفت من أن هذا الرفع سيؤدي إلى خلق شركات فرعية،وبأنه في نفس السنة تم تفعيل صندوق محمد السادس للاستثمار، وبطلب منه ولتجنب هذا تعمدت الحكومة هذا التخفيض.
ونسي الوزير أو تناسى أن تخفيض الضريبة إلى 20%على هذا النوع من الشركات وبهذه الشروط هو إجراء لم تأت به الحكومة، وإنما جاء نتيجة تعديل تقدمت به إحدى الفرق بمجلس المستشارين، وذلك بعد أن اجتاز مشروع قانون المالية لسنة 2023 مجلس الحكومة، ثم مجلس النواب، ولم تنتبه الحكومة لهذا الأمر إلا حينما تقدم مستشار من فريق بمجلس المستشارين بتعديل من خارج الحكومة ومن فريق ليس في الأغلبية الحكومية أصلا.
ثانيا-هل تهاونت الحكومة الحالية لهذه الدرجة اتجاه صندوق محمد السادس للاستثمار الذي أحدثته الحكومة السابقة بمتقضى القانون رقم 76.20 الصادر في 31 دجنبر 2020، وساهمت الدولة في رأسماله بمبلغ 15 مليار درهم، ونسيت أن تدرج كحكومة هذا الإجراء الضريبي ضمن المشروع الأصلي لقانون المالية لسنة 2023 كما أودعته في البرلمان في أكتوبر 2022؟
فهل يجوز سياسيا ومؤسساتيا أن يجد الصندوق -وهو شركة أحدثتها الدولة،وساهمت فيها ماليا، وهو من المؤسسات الاستراتيجية للدولة،ويرأس مجلس إدارته الوزير المكلف بالمالية، ويسيره مدير عام يعين وفق التشريع المتعلق بالتعيين في المناصب العليا، طبقا لأحكام الفصل 49 من الدستور، وباقتراح من رئيس الحكومة، وبمبادرة من وزيرة الاقتصاد والمالية- ويجد نفسه محتاجا لأن يطلب تعديلا من فريق لا يوجد أصلا ضمن الأغلبية الحكومية؟ فهل يجوز ألا تدرج الحكومة هذا الطلب في مشروع قانون المالية الأصلي أو على الأقل أن تتبنى هذا التعديل وتقدمه باسم الحكومة؟
ثالثا- هل الصندوق هو من طلب أيضاً من نفس الفريق وفي نفس التوقيت أن يقدم تعديلا بمجلس المستشارين لتخفيض الحد الأدنى للضريبة على شركات المحروقات من0,25% إلى 0,15%؟
رابعا-هل هذا الإجراء سيعالج فعلا إشكالية إنشاء شركات فرعية للاستفادة من السعر المخفض، ما دام أن التخفيض يعني الشركات المحدثة ابتداء من فاتح يناير 2023؟ وما الذي يمنع الآن الشركات المنشأة قبل هذا التاريخ من خلق شركات فرعية لتجزئ مستوى ربحها بما يسمح لها من الاستفادة من سعر %20 برسم الضريبة على الشركات؟
وأخيرا-لماذا لم تكتشف -أو تخترع- الحكومة هذا التعليل إلا اليوم وفي خضم ورطة رئيس الحكومة في ملف تضارب المصالح، في الوقت الذي نجد فيه،كما يثبت ذلك تقرير لجنة المالية والتخطيط والتنمية الاقتصادية بمجلس المستشارين حول مشروع قانون المالية رقم 50.22 للسنة المالية 2023، أن التعليل الذي قدمه الفريق صاحب التعديل بمجلس المستشارين هو أن هذا التعديل يهدف “إلى استثناء شركات الخدمات المكتسبة لصفة “القطب المالي للدار البيضاء” والمنشآت التي تزاول أنشطتها في مناطق التسريع الصناعي وكذا الشركات التي تلتزم باستثمار مبلغ لا يقل عن مليار درهم على مدى خمس سنوات من تطبيق سعر35%عندما يتعدى مبلغ ربحها 100 مليون درهم، وذلك للمحافظة على جاذبية هذه المناطق وضمانا لتنافسية هذه الشركات على الصعيد الدولي.”، ولم يرد نهائيا في هذا التعليل ذكر اسم صندوق محمد السادس للاستثمار أو هدف معالجة إشكالية إنشاء شركات فرعية.
من حق الحكومة -وأغلبيتها النيابية- أن تدافع عن سياستها وعن رئيسها، لكن ليس من حقها أن تستدعي وزيرا لمواصلة مسلسل الدفاع عن تضارب المصالح الذي بدأه رئيس الحكومة يوم 16 دجنبر الماضي في جلسة دستورية، لأنها بهذا ليس فقط تكرس استغلال مؤسسة دستورية للدفاع عن شيء غير مشروع، لكن لأنها أيضا تكرس بدعة من خلال الدفاع من داخل البرلمان بمعطيات غير صحيحة وغير دقيقة، وهي بذلك لا تحترم هذه المؤسسة الدستورية ولا تحترم الرأي العام.
*رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية ووزير سابق