هاشتاغ
لم يعد فشل السياسات التعليمية بالمغرب مجرد اتهام سياسي أو انطباع مجتمعي، بل تحول إلى حقيقة موثقة بالأرقام الرسمية، بعد التقرير الصادم الصادر عن الهيئة الوطنية للتقييم لدى المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، الذي كشف عريَ التعليم الأولي وفضح هشاشته البنيوية، رغم مليارات الدراهم التي صُرفت باسمه.
التقرير يدق ناقوس الخطر بصوت عالٍ: 32 في المائة من الأطفال المغاربة لا يتوفرون على أي كتاب داخل أسرهم، وترتفع النسبة إلى أكثر من النصف في العالم القروي، في بلد يتحدث مسؤولوه عن “الرأسمال البشري” و”مدرسة الإنصاف وتكافؤ الفرص”. واقع يُثبت أن الدولة تترك أطفالها يواجهون الأمية منذ السنوات الأولى، دون أدوات، دون دعم، ودون رؤية.
الأخطر من ذلك أن القراءة والكتابة المبكرة، وهما أساس أي مسار تعليمي سليم، سُجلتا كأضعف مجالات التعلم، بمعدل لا يتجاوز 56 نقطة من أصل 100، ما يعني أن فشل المدرسة يبدأ مبكرًا جدًا، قبل أن تطأ أقدام التلاميذ التعليم الابتدائي، في مسلسل إهدار ممنهج للزمن المدرسي.
أما الموارد البشرية، فحدث ولا حرج. التقرير يكشف أن نصف الأطفال تقريبًا يؤطرهم مربون عديمو التجربة، بينما تصل النسبة إلى 70 في المائة في القرى، في استهتار واضح بحق الأطفال في تأطير تربوي مؤهل. مربيات ومربون بأجور هزيلة، أقل من 2000 درهم لربع العاملين، وتأخر مزمن في صرف المستحقات، خصوصًا في التعليم غير المهيكل، وكأن الدولة تقول لهم: اشتغلوا بلا كرامة… والنتائج لا تهم.
الفضيحة تمتد إلى البنية التحتية، حيث لا يستفيد سوى 31 في المائة من الأطفال من مرافق صحية تحترم الحد الأدنى من المعايير، فيما تغيب شروط النظافة الأساسية داخل مؤسسات يفترض أنها فضاءات آمنة. أي رسالة تُرسلها الدولة لطفل يُطلب منه التعلم في بيئة لا تحترم صحته ولا إنسانيته؟
ورغم كل هذا النزيف، تُروّج الخطابات الرسمية لأرقام “النجاح” و”التوسع”، متجاهلة أن التعليم العمومي، الذي يحتضن أغلب الأطفال، هو الأضعف من حيث النتائج، وأن التوسع الكمي لم يكن سوى ستار يخفي فشلًا نوعيًا ذريعًا، ويعمّق الفوارق الاجتماعية والمجالية بدل تقليصها.
تقرير الهيئة لا يهاجم من فراغ، بل يضع الحكومة ووزارة التربية الوطنية أمام اتهام صريح بالتقصير، ويؤكد أن السياسات العمومية في التعليم الأولي لم تفشل فقط في تحقيق الجودة، بل ساهمت في إعادة إنتاج الهشاشة والفقر والأمية منذ الطفولة.






