في الحاجة الى حكومة الوحدة الوطنية

علي الغنبوري
اثارت دعوة الكاتب الاول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، الاستاذ ادريس لشكر ، بضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية، لتدبير مرحلة مابعد جائحة كورونا، كثيرا من النقاش و التفاعل، بين مختلف الفرقاء السياسيين و المهتمين بالشان السياسي.

و اذا كان هذا النقاش ضروريا و اساسيا، يستمد شرعيته من المرحلة السياسية التي نعيشها، و من الانتظارات و الاسئلة الحارقة المطروحة على الجميع، بعد زوال هذه الجائحة ، فان بعض هذا النقاش انحرف عن مساره العاقل و الموضوعي، و اتخذ نهجا تحريفيا ، تحدد منطلقاته هواجس انتخابوية صرفة، و احقاد غير مبينية على اي منطق سياسي او فكري.

فطريقة النقاش الذي رافق مقترح الكاتب الاول للاتحاد الاشتراكي، صورت الامر و كانه بدعة ابتدعت ، او انه طرح غريب عن الشأن السياسي و الديمقراطي ، و كان المغاربة لم يعرفوا من قبل معنى الحكومة الوطنية.

وشاهدنا كيف انطلقت الالة العمدية لتحريف النقاش و تزييف حقيقته، بحيث اصبحت حكومة الوحدة الوطنية تعني حكومة التقنوقراط، والمطالبة بها يعني الانقلاب على الديمقراطية والسعي نحو الاستوزار، و كيف كرس لذلك عبر صفحات الجرائد و المواقع التي تفنن البعض في استجماع كل عناصر الضرب المشروعة و الغير مشروعة ، لتشويه هذا المقترح و تسفيه النقاش حوله.

و عوض ان نرى اساتذة القانون الدستوري ، يؤطرون النقاش حول هذا المقترح قانونيا و نظريا ، و التداول حول ضرورته و أسبابه و إمكانيات تحققه ، تابعنا كيف عمد البعض منهم للاسف الى التنصل من كل المعارف العلمية و الاكاديمية التي كان من المفروض ان تحدد تفعالاتهم مع هذا الموضوع ، ليستعيضو بها بخرجات مسكونة بهواجس سياسية و تصفية لحسابات غير ذات معنى.

ان المطالبة بحكومة الوحدة الوطنية، هو مطلب شرعي، نابع من عمق الايمان بالديمقراطية و تجلياتها ، ونابع كذلك من المرجعية الوطنية، التي ترى في الوطن و تماسكه و قوته و استمراره اساس اي عملية سياسية ، بحيث لا يمكن اليوم الاستمرار في توجيه سيف التسفيه والتبخيس و الاتهام في وجه كل من يناقش او يطرح هذا الامر.

فطرح حكومة الوحدة الوطنية اليوم لا يمكن نزعه عن سياقه الذي يشكل اساسه المتين الذي يستند عليه ، المتجسد في الوضعية القاسية و المربكة التي ستخلفها جائحة كورونا اقتصاديا و اجتماعيا و سياسيا ، و لا يمكن جعله مطية لتصفية الحسابات السياسية ، بل يجب التعامل معه بالجدية المطلوبة ، و نقاشه بشكل موضوعي , تبرز من خلاله الجدوى منه من عدمها .

تشكيل حكومة وحدة الوطنية ، ليس كما يروج له البعض عن جهل او عن قصد ، باعتباره قفز و تعدي على الديمقراطية ، بل هو ممارسة ديمقراطية ، تعرفها كل بلدان العالم ، في حالة ما اعترضتها ، ظروف قاهرة ، تجعل من الوحدة الوطنية المخرج الامن لتجاوز المحن المشتركة .

فحكومة الوحدة الوطنية تعني التصدي المشترك للالام الجماعية للشعب ، بما تقتضيه من توقيف كلي لسياقات السجالات السياسية بين مختلف القوى المجتمعية و السياسية ، حتى تتمكن الدولة و الوطن من اعادة الحياة الى طبيعتها ، و ضمان استمرار و قوة البلاد و مناعتها .

و ما تعيشه بلادنا اليوم على اثر جائحة كورونا ، من توقف شبه كلي لعجلة الاقتصاد الوطني و من مخاطر صحية كبيرة ، بكل تاكيد ستكون له تبعات وخيمة على جميع المستويات ، و هو ما سيجعل المغرب امام تحديات غير مسبوقة في تاريخه ، و قرارات دقيقة ، لتفادي الانهيار .

فوق كل هذا و ذاك فالمغرب مقبل على سنة مليئة بالاجندات الانتخابية ، مع كل ما يرافقها من صراع و تمايز و تنافر سياسي بين مختلف الفرقاء ، باعتبار برامجهم و مرجعياتهم و مشاريعهم المجتمعية المختلفة .

و هنا نطرح السؤال ، هل لا نحتاج الى حكومة وحدة وطنية ؟ تختفي معها كل السجالات و كل التمايزات و كل الصراعات السياسية، و تتجه نحو التفكير و التدبير المشترك لهذه المرحلة الصعبة من تاريخ البلاد ، استحضارا و تعزيزا لكل المؤسسات الوطنية .

فالمغرب اليوم غير قابل لاي نقاش ، سوى نقاش الخروج الامن من هذه الوضعية المؤلمة و انعكاساتها الكارثية على المستويات الاجتماعية و الاقتصادية ،و السياسية ، في ظل استمرار مؤسساته ،و ديمقراطيته ، و نهجه الحقوقي و الحداثي.

و حكومة الوحدة الوطنية لا تعني تخطي التمثيلية السياسية ،و لا على نتائج الانتخابات ، و لا الدعوة الى تحييد دور الاحزاب السياسية و القفز على شرعيتها ، و لا على تعطيل الدستور ، بل هي دعوة لتحمل الجميع لمسؤولياته في ظل هذا الظرف الاستثنائي الذي تمر منه البلاد.

و الاتحاد الاشتراكي ، اعتاد دائما على جعل الوحدة الوطنية اولى اولوياته ، فعندما وصلت القضية الوطنية الى منعرج الخطر ، لم يتردد في الدخول الى حكومة الوحدة الوطنية و هو في عز معارضته لنظام الحسن الثاني ، كما لم يتردد في القبول بتجربة التناوب حينما كان المغرب على وشك السكتة القلبية ، و هو ما يجعل المطالبة بحكومة الوحدة الوطنية ، غير جديدة على مرجعيته و على اهدافه السياسية التي تجعل الوطن فوق كل اعتبار .

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *