في النضال اللاوطني !!!

علي الغنبوري

من اخطر ما يتهدد المغرب اليوم ، هو الاختلال الكبير الذي عرفه مفهوم النضال السياسي ، بحيث تحول الى صيغة مشوهة تستوعب كل الاشكال و الفاعلين السياسيين، سواء افراد او منظمات ، انطلاقا من تحديد وحيد ، يقاس بدرجة معارضتهم للنظام السياسي القائم دون اي اعتبار لمرجعيتهم او ارتباطاتهم او اهدافهم .

فيكفي اليوم ان تعلن باي صيغة ممكنة معارضتك للنظام السياسي ، لتتحول بشكل اوتوماتيكي الى « مناضل » يحوز شرعية ، تجعل منك فاعلا فوق الكل ، حيث تصبح اعمالك و افعالك و ممارستك منزهة و غير قابلة للخطأ، و خارجة عن دائرة القانون.

هذا الشكل الجديد من النضال ،و ان كان ظاهره يوحي بوهج سياسي و مقاومة للواقع السياسي الحالي ، فان عمقه يحمل مخاطر كبيرة على الوطن و على الممارسة السياسة نفسها ،فهو يفقدها ظوابطها و اخلاقها ، ويفرض نوعا من الديكتاتورية النضالية الهدامة المبنية على انانيات متضخمة ، تحول اصحابها الى كائنات مقدسة غير قابلة للمحاسبة و النقد .

هذه الصورة الجديدة للنضال تجعل كل المياه التي تجري تحت جسر الفاعلين به و القائمين عليه ، مياه عادمة و ساكنة ، غير قابلة للتحليل السياسي المبني على الاسئلة الحقيقية ، حول الاهداف و الارتباطات و الغايات و الوسائل المعتمدة في تصريف هذا النضال .

و هذا الشكل الجديد « للنضال » يستحضر كل شيء، الا البعد الوطني ، فهو قائم اساسا على مقاربة غير وطنية ، تجعل من الوطن مطية او قنطرة لنشأته و ترعرعه و فعله و انتشاره ،و تغيب ادنى شروط الوطنية ، لصالح مصالح فردية و ذاتثة.

ارتباط النضال بالوطنية هو ارتباط غير قابل للفك او التجاوز ، فمتى انقطعت اواصر التقاطع بينهما ، يتحول الامر الى عبث او جرم في حق الوطن اولا والنضال ثانيا ، فالنضال غير النابع من الوطنية هو خيانة مشهودة ، هدفها الوحيد هو هدم الوطن و تفتيته ودك اركانه .

و من هنا يمكننا طرح الاسئلة الحقيقية حول الشكل الجديد  » للنضال » و من يكرسه ويفرضه كنسق مشوه للممارسة السياسة بالبلاد ، فهل من النضال في شيء ان تحصل على الاموال من الخارج لتمويل يوميات « النضال » ؟ و هل من النضال في شيء ان تكون جزءا من اجندات خارجية تعمل على هدم الوطن ؟ و هل من النضال في شيء ان تكون ضد الوحدة الترابية لوطنك ؟ و هل من النضال في شيء ان تخرق كل القوانين الاخلاقية و السياسية و المجتمعية باسم هذا النضال ؟ و هل من النضال في شيء ان ترتكب الجرائم و تسعى الى التمترس خلف النضال للافلات من العقاب؟ .

صحيح ان المغرب يعاني من مشاكل حقيقية تعترض مساره الديمقراطي ، و نواقص عديدة تحد من مساره الحقوقي ، لكن هذا لا يعني باي حال من الاحوال ، ان يغيب النضال من اجل تغير هذا الوضع البعد الوطني ، ويعوضه بمقاربات لا وطنية ، تضرب الوطن و تسعى الى تفتيته و تشرعن كل الجرائم في حقه.

فالنضال من اجل التغير الديمقراطي ، يجب ان يكون نابعا من قلب الوطن ، مدركا لتحدياته و رهاناته ، مؤمننا بقوته و مناعته و وحدته ، محجما عن اي مقاربات او توجهات خارجية ، تتخد من اجندات و مشاريع اخرى نقاط جدب لجعل الوطن رقما من ارقامها .

كما ان هذا النضال لا يجب ان يكون محللا للممارسات الاجرامية و دافعا لخرق القانون ، و للتغول و العنجهية باسمه ،و الضرب في مؤسسات الوطن ، فمن يريد ان يناضل يجب ان يكون مثالا للتجرد و النزاهة و الاستقامة و الوطنية الصادقة .

للاسف ما يعيشه النضال اليوم في المغرب ، هو نوع من التشويه المقصود و الرغبة المدروسة للاستفراد به ، و رسم معالم جديدة له ،تجعل من الكفر بالوطن و الارتباطات الخارجية الملتبسة و العبث ، الشرعيات الوحيدة لممارسته.

و ما لا يستعوبه اصحاب هذا التوجه « النضالي » الجديد ، ان تاريخ المغرب مليء بالتجارب المماثلة ، التي تكسرت امواجها باستمرار ، على صخرة الوطنية الجامعة و المحصنة للشعب المغربي ، الذي رفض دائما ان يكون الوطن مسلوب الارادة ، تتحكم فيه اهواء و اجندات و مشاريع خارجية ، توظف بعض الانانيات و الطموحات اللاشرعية داخله.

البناء الديمقراطي للمغرب ، لا يمكنه ان يكون الا عبر نضال وطني و شرعي ، لا يهدف سوى الى بناء وطن قوي و موحد يعتز كل ابنائه بالانتماء اليه ، يدافعون عنه و يدافع عنهم ، يحتضنهم و يتحتضنونه، يوفر لهم سبل الحيش الحر و الكريم ، و يفرون له سبل المناعة و الاستمرارية .

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *