في اليوم العالمي للفلسفة ; لماذا اخترت الفلسفة؟

عبد السلام المساوي

مقتطف من كتابي : تلميذاتي وتلاميذي
وانا طفل ، وانا تلميذ ، كنت دائما اتمنى ان أصبح أستاذا …عشقت هذه المهنة واغرمت بالأستاذية ….وكثيرا ما تقمصت شخصية المعلم والأستاذ …كنت اتقمص دور المدرس مع ابناء وبنات الأقارب والجيران …

1976 , سنة الحصول على شهادة الباكالوريا بثانوية عبد الكريم الخطابي بالناظور ، وشد الرحال الى مدينة فاس ؛ عاصمة العلم والفكر ، وكان التسجيل في كلية الاداب والعلوم الانسانية بجامعة محمد بن عبد الله بظهر المهراز ؛ طالب جامعي – تخصص فلسفة ؛ الفكر والتفكير ؛ العقل والمنطق …

وما دفعني الى اختيار الفلسفة ؛ تميزها عن باقي المواد ، بل وتميز استاذ الفلسفة عن سائر الاساتذة الذين درسوني ؛ انه الاستاذ ؛ الكاتب المفكر والروائي المبدع ؛ الأستاذ ميلودي شغموم …معه تعلمت التفكير ؛ تعلمت كيف فكر عظماء الفكر والفلسفة ؛ منذ لحظة التأسيس مع اليونان الى ….

كان اللقاء مع سقراط في محاورات افلاطون التي صاغها بلغة جميلة ذات نكهة شعرية ، وبعمق فكري تولده اسئلة فلسفية تكسر المعتاد ، تحطم المألوف وتنهض من السبات العميق …

” كل ما أعرف هو أنني لا أعرف شيئا ” ، كان هذا هو الدرس ، الدرس الاول الذي تعلمته ، وسيكون درسا مؤسسا لقناعاتي واختياراتي الفكرية والسياسية …درسا في الانفتاح على الاخر ، في التسامح ، في الايمان بالرأي والرأي الاخر ، في الايمان بحق الاختلاف …في انهيار البداهات وتحطيم المطلقات ؛ الحقيقة نطلبها ولا نمسك بها ؛ لا أحد يمتلك الحقيقة ؛ الفلسفة تحطم وهم اعتقاد امتلاك الحقيقة ؛ من هنا كانت البداية لمحاصرة العنف بجميع اشكاله ؛ ان الفلسفة تريد ان يختفي العنف من العالم ….

وكان عشق السؤال …حب السؤال …بداية بناء علاقة جديدة مع السؤال ؛ ” الاسئلة في الفلسفة أهم من الاجوبة ، بل ان كل جواب يصبح سؤالا جديد …” الفلسفة تعنى بالسؤال اكثر من عنايتها بالجواب …السؤال لا يموت بالجواب بل يحيا فيه …لا جواب نهائي في الفلسفة ؛ في الجواب النهائي نهاية للفلسفة ، موت للفلسفة ؛ ولن تموت الفلسفة ما دام في العالم ، انسان يسأل ، انسان يتساءل ، انسان يفكر …

قسم سقراط الناس الى فئتين :
1-جاهلون ويجهلون جهلهم – الجهل بالجهل
2-جاهلون ويعرفون بأنهم جاهلون – الوعي بالجهل
والاعتراف بالجهل هو المدخل الاساسي للتعلم والمعرفة، وعتبة التفلسف .
الجاهل الذي يعرف جهله مؤهل لكسب المعرفة ، أما الجاهلون الذين يتوهمون امتلاك الحقيقة المطلقة ، ويدعون معرفة كل شيء ، فهم غارقون في الجهل ، وغارقون في سبات عميق .

ان الفلسفة تعلمنا أن لا أحد يمتلك الحقيقة ، لا وجود للحقيقة المطلقة ….
وهم امتلاك الحقيقة المطلقة يولد العنف والتطرف ؛ الاقصاء وعدم الاعتراف بالاخر ، تجريم الاختلاف وتحريم التفكير …والحركات اليمينية المتطرفة ، العنصرية والدينية تتوهم امتلاك الحقيقة المطلقة.

ان ما يميز سقراط – الفيلسوف عن غيره من الناس هو انه جاهل ويعرف بأنه جاهل …

ان الفلسفة تحطم البداهة وتكسر سلطان العادة الطاغي ، وتوقظ من السبات العميق ، وتحطم الاعتقاد البديهي بامتلاك الحقيقة المطلقة …
مشكلتنا أننا لم نفكر بعد …

متى نفكر ؟!

ومن سقراط الى مثل افلاطون فمنطق ارسطو …فالانتقال الى محطة أساسية من محطات الفكر الانساني ؛ محطة الفكر العربي الاسلامي حيث لحظة التأسيس لممارسة الفكر الفلسفي مع علم الكلام المعتزلي واشكالية العقل والنقل ؛ وكان الكندي في مخاض تعريب الفلسفة وتأصيلها ؛ ومن الشيخ الرئيس ابن سينا الى المعلم الثاني ابو نصر الفارابي بمدينته الفاضلة ونظريته في الفيض …وكان ” تهافت الفلاسفة ” وكانت الضربة القاضية التي وجهها ابو حامد الغزالي للفلسفة في المشرق …وكان التكفير للعقل ، وكان التكفير للفلسفة ، وكان شعار ” من تمنطق تزندق ” ….وما زال تكفير العقل مستمرا في العالم العربي الاسلامي ، وكان التيار الاخواني بكل امتداداته وفروعه وأذرعه….

ومن الشرق الى المغرب ؛ مع ابن باجة وابن طفيل ، فالقمة ابن رشد سلطان العقول والأفكار ….

وفي اوربا العصر الحديث كان اللقاء مع عقلانية ديكارت في فرنسا وتجريبية لوك وهيوم في انجلترا فنقدية كانط في المانيا ….

ومن الشك المنهجي الى فلسفة التنوير والتحرير مع فلاسفة الأنوار والعقد الاجتماعي ؛ روسو ، هوبز ، مونتسكيو …والفلاسفة الماديون ؛ ديدرو ، لاميتري ، هولباخ ، هيلفتيوس ، فيورباخ …وكل الذين حطموا الاصنام والأوهام التي كانت تبثها الكنيسة في اذهان الناس في القرون الوسطى …والذين ساهموا في تصفية الحساب سياسيا مع الاقطاعية – الفيودالية ( فصل الدين عن الدولة ) ، وكان ميلاد الثورة الفرنسية بشعاراتها الانسانية …

ان ما حققته فرنسا على المستوى السياسي وحققته انجلتر على المستوى الأقتصادي ، حققته المانيا على المستوى الفكري …وكانت البداية لتأسيس وعي جديد مع جدل هيجل في لبوسه المثالي ومع ماركس في تطبيقه المادي ….وكانت المادية التاريخية رؤية جديدة للتاريخ والمجتمع ودافعا الى الارتماء في احضان السياسة من باب اليسار الاشتراكي ، وكانت الرفقة مع ماركس وانجلز ، لينين وماوتسي طونغ والمثقف العضوي غرامشي….ومطبوعات موسكو….وكان السؤال ( ما العمل ؟ )….

وكان القرن العشرون والنقد الفلسفي المعاصر للماركسية مع وجودية جون بول سارتر ؛ فيلسوف الحرية بامتياز ، وبنيوية التوسير في قراءته لماركس ( دفاعا عن ماركس ) وفي قراءته للرأسمال ( Lire le capital ) , ومع ميشيل فوكو في حفريات المعرفة وتاريخ الجنون …ومن فينومولوجية هوسرل الى براغماتية جون لويس …

وفي اطار جدلية العلم والفلسفة ؛ كانت ايبستمولوجيا المعرفة العلمية ؛ التحولات العلمية الكبرى في اواخر القرن 19 وبداية القرن العشرين ؛ ظهور الرياضيات المعاصرة مع نظرية المجموعات لجورج كانتور، والهندسات اللااقليدية مع لوباتشيفسكي وريمان…وتأسيس الفيزياء المعاصرة مع اينشتاين في نظرية النسبية وماكس بلانك في نظرية الكوانتا …وما ترتب عن هذه التحولات العلمية من نتائج ايبستمولوجية ؛ ازمة الأسس ، انهيار البداهة ، انهيار المطلقات ….تأسيس عقلانية عقلانية علمية جديدة ؛ التحول من العقلانية الديكارتية الى العقلانية اللاديكارتية مع غاسطون باشلار في نقد مفاهيم المعرفة العلمية ؛ العقل ، الواقع ، العقل ، الحقيقة …تأسيس النظريات العلمية على الحوار الشيق بين العقل والتجربة كحل للاختلاف الابستمولوجي القائم بين العقلانية الرياضية الصورية والوضعية الاختبارية المنطقية …

ومن ايبستمولوجيا العلوم الحقة ، ايبستمولوجيا الرياضيات والفيزياء …الى ايبستمولوجيا العلوم الانسانية مع دي صوصير في اللسانيات ، وجون بياجي في علم النفس التكويني وكلود ليفي ستراوس في الانتروبولوجيا البنيوية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *