عبد السلام المساوي
ان اللغة تحمل سلطة اجتماعية محايثة لها ، وهي تتخذ مظهرا بريئا يتمثل في منظومة القواعد الفعلية والنحوية والتركيبية ، وبتعبير اخر ان اللغة كمؤسسة اجتماعية لها استقلال عن الأفراد الناطقين بها ، وباعتبارها لها قواعدها الضابطة لنظامها الصوتي والمعجمي والنحوي وهكذا فاللغة كنسق تتكون من بنيات كالبنية الصوتية ، والنحوية والمعجمية ، اذ من خلال هذه البنيات يمكننا رصد مظاهر سلطة اللغة والبحث عن التمييز الذي يقوم على النظرة الدونية للمرأة .فعلى المستوى المعجمي سنجد حضورا قويا للتفريق بين الجنسين ، فاذا وقفنا مثلا على المعجم العربي ، فانا سنلاحظ ان كلمة امرأة مشتقة من فعل ” مرأ ” اي طعم ومن هنا تواجهنا صلة المرأة بالطعام ، ويقال مرأ فلان مرءا اي صار كالمرأة . وتجمع المرأة على غير أصلها فيقال نساء ونسوة ، بدل ” مرأت ” ، والنساء تعني المناكح ، ومن هنا تواجهنا صلة المرأة بالجنس .
لقد لعبت كذلك البنية النحوية العربية دورا اساسيا في ترتيب الجنسين وتصنيفهما . فان كان التمييز بين الجنسين ظاهرا على المستوى المعجمي وعلى المستوى النحوي ، فاننا سنعاين هذا التمييز كذلك على المستوى الصوتي ، فالأصوات تقوم بوظيفة التأكيد على المنطقة التي ينتمي اليها المتكلم ، فبالنسبة لنطق ” القاف ” القريب من الهمزة غالبا غالبا ما يدل على ان متكلمه انثى ، كما ان خاصية ترقيق الأصوات بصفة عامة هي خاصية نسوية .
ان اهمية المستوى الصوتي تكمن في تحديد نوعية المتكلم وتمييزه بل احتقاره في بعض الأحيان ” صوته كصوت المرأة ” ،” الكلمة هي الرجل ” ، ” ما عندك كلمة كالمرأة ” ، ” الكلام مع الرجال لا مع العيالات ” .
وهكذا فاللغة العربية ليست اداة للتواصل فقط بل فيها تنطوي أبعاد الوجود الانساني العربي ، انها تعتبر مدخلا أساسيا لفهم واقع الدونية الذي تعاني منه المرأة وتكتوي بناره ، فأن نتكلم اذن ليس هو ان نتواصل بل ان نسود ونسيطر ، ان اللغة لا تنتج تواصلا بل تنتج علاقة ، علاقة سلطة وسيطرة .
ويظهر ان المحافظين و شيوخ الايديولوجية السلفية والاخوانية ، متشبعون بالموروث الثقافي التقليدي الذي يحتقر المرأة ويكرس دونيتها ، من هنا عندما يتكلمون اللغة او تتكلمهم اللغة ، فانهم يخاطبون المرأة بفحولة جنسية وفحولة معرفية وسياسية ، وهذا ما يدل عليه انفجار اللاشعور البنيوي والمكبوت الأصولي في خطابهم …انها قناعات تعكس موقفا ذكوريا من المرأة …
وهكذا لاحظنا في جلسة برلمانية عامة ، كيف تعمد بنكيران تحقير المرأة عندما استعمل لفظ ” العيالات ” ونعلم ما لهذه اللفظة من حمولة ثقافية رجعية ، كما اصر على استعمال عبارة ذات حمولة جنسية فاضحة ” ديالي اللي كبير عليك ” بل انه استنكر على ” الصحافية المعلومة ” حق الاحتجاج …فالمرأة عنده ” ثريا ” للتزيين وليست ذاتا واعية ، حرة ومسؤولة عن اختياراتها …المرأة موضوع لا ذات !
ان الاسلاميين ، اذن ، يلعبون ” لعبة ” الذكر ، وهذه اللعبة كما تؤكد على ذلك الثقافات القضيبية الرجالية الفحولية ، تتمثل في تلقين وحقن دماغ الذكر بأن يكون شديدا عنيفا ، بطلا مقداما وكل مشتقات السيطرة كالعنف والبطش ، لذا تنسب هذه الثقافة الذكر الى الحكمة والعقل ، وفي مقابل هذا الاحتفال الطقوسي بالعقل والحكمة والشدة والمبارزة …تشترط على الأنثى ثقافيا الميوعة والنعومة والانفعال والعاطفة والرومانسية …انها تدفع المرأة الى مناطق الانفعال ، الشعر ، الشعوذة ، الزينة ، التبرج ، الكبد …اما حكمة السيطرة على الانفعالات وقتل جواسيس النفس اقدس من ان تمارسها المرأة ، ويفسر بعض المفكرين المعاصرين هذا الموقف الذكوري بارجاعه الى ما يسميه بريان اسلي ” عقدة هشاشة القضيب ” .
وهنا نسجل بأنه لا بد من مراجعة ومساءلة الموروث الثقافي الذي ما زال يرقد في الخطاب التقليدي الأصولي .
تقول سيمون دي بوفوار : ” ان المرأة لا تولد امرأة ولكنها تصبح كذلك ” ، وتماشيا مع الخطاب الديبوفواري ، يمكن القول ان الرجل لا يولد رجلا ذكرا وانما يصبح بالثقافة كذلك ، والتحديد الذي يعطيه رايلي لمفهوم الذكر والانثى انما هو بالأساس يعتمد المتواليات من النعوت التي تنسب الى كل منهما ، وفقا للثقافة : المهد ، البيئة ، الأسرة ، السياسة …الثقافي هو الذي لطف ما سمي ويتسمى الجنس اللطيف وهو الذي أوجد الخشونة لدى الجنس الخشن ، اما الطبيعة فلا يبدو أنها جنسوية ، اي تفاضل بين الجنسين .
وبعبارة أخرى فالطبيعة لم تنتصر للرجل ضد المرأة ، ولكن الرجل ، انطلاقا من وعيه الفحولي للعالم ، هو الذي ذكرن الذكر وذكرن المعرفة وذكرن العلم وذكرن السياسة …وفي المقابل أنثن الطبيعة وأنثن المرأة وانثن العاطفة وأنثن القلب ” كلنا يلعب لعبة الذكر والأنثى ، لقد تعلمناها من المهد .”
ان التشريط الثقافي ، حسب لغة هيرسكو فيتس، هو الذي يمسرح الحياة بعد توزيع الأدوار ، وفق معايير سلوكية حفاظا على مصالح المتحكمين في قواعد اللعبة وواضعي شروطها ، ومن يفعل ذلك غير الساسة ؟ وكل من لا يلعب لعبة الاسلاميين ” يفرد افراد البعير المعبد ” فينسب للشرك والمروق حينا والى الهرطقة حينا اخر والى الفساد والخيانة حتى …
المحافظون التقليدانيون يتصورون ان كل شرور الكون تأتي من النساء ، وان الحل هو عزل النصف الاخر من المجتمع في انتظار منعه وسجنه في المنازل قريبا !
هاته العقلية المتخلفة ، والتي لا ترى في المرأة الا الوعاء الجنسي الصالح لتفريغ المكبوتات ، والتي نتصور كل مرة اننا تخلصنا منها والتي تظهر لنا في هاته الومضات او ” الفلاشات ” المرعبة ، هي عقلية تعيش معنا وتحلم لنا بمجتمع على مقاسها وهواها ، تضع فيه النساء قرب الأطفال وقرب المتخلفين عقليا ، وتعتبرهن ناقصات عقل ودين ، وتؤمن انه يحق لنا ان نضيف اليهن عبارة ” حاشاك ” كلما ذكرناهن . وهذه العقلية لها مشكل مع نصفها السفلي الذي لا تستطيع له اشباعا ولا تعرف له ترويضا سويا ، ولا تملك ادوات التحكم العاقلة فيه وهو ما ينعكس على نصفها العلوي ويصعد لها مباشرة الى المخ ، ويدفعها دفعا نحو هاته التخيلات المرضية .
مشكلتنا مع هؤلاء المتخلفين ستدوم طويلا بسبب عدم القدرة على التحكم في عضو من أعضاء جسدنا يعوض العقل في التفكير ، ويدفعنا دفعا كل مرة الى النزول الى هذا الحضيض ، ومناقشة ما اعتقدنا ونعتقد وسنظل على الاعتقاد ذاته ان البشرية السوية والحضارة السليمة قد تخلصت منه بشكل نهائي وتام ، بأن وجدت السبل السوية للتعايش معه وفق الحرية الفردية ومسؤولية على ما يرتكبه ويقترفه ويقوم به في حياته دون مساس بالاخرين .