تميزت بداية الاسبوع الحالي باللقاء الذي أُجراه حكيم بن شماش، رئيس مجلس المستشارين، بصفته رئيسا لرابطة مجالس الشيوخ والمجالس المماثلة بإفريقيا والعالم العربي، مع رئيسات ورؤساء كافة الاتحادات والمنظمات البرلمانية الجهوية والقارية بمنطقة أمريكا اللاتينية والكرايب حول سبل التعاون والترافع البرلماني المشترك حول تداعيات جائحة كورونا وما تفرضه من تحديات جديدة على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية وما تتيحه أيضا من فرص وخاصة بالنسبة لبلدان الجنوب.
هذا الاجتماع وان كان يكتسي أهميته من راهنية موضوع هذا اللقاء/القمة والادوار الجديدة المنوطة بالمؤسسات البرلمانية، فانه يتضمن دلالات عميقة تستوجب الوقوف عليها وتحليل اهم عناوينها، ونركزها في ثلاث نقاط أساسية:
الرمزية الأساسية الأولى لهذا اللقاء تتجسد في ابراز سياسة الانفتاح التي لعبها المغرب في ظل هذه الظرفية بمقابل انغلاق العديد من الدول ونزوعها نحو الانغلاق واعتمادها سياسات لن يكون من المبالغة تسميتها بالحمائية سواء في المحيط الجهوي القريب من المغرب أو داخل العديد من التكتلات الإقليمية والتي تعيش نقاشا عميقا بين دولها الأعضاء حول أسس وفلسفة تشكيلها أو حتى الجدوى من استمراريتها.
من هذه المنطلقات الأساسية، تمركزت مداخلة بن شماش، حسب قراءتنا لما تضمنه بلاغ المجلس، على محورين أساسيين، تناول في الأول الاستراتيجية التي اعتمدها المغرب بإشراف مباشر ومتواصل من جلالة الملك محمد السادس سواء من اجل الحد من تفشي الوباء أو التعاطي مع التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي فرضتها، مستعرضا الأدوار الجديدة التي طوقت بها المؤسسات البرلمانية والممارسات والبدائل الجديدة التي اعتمدها مجلس المستشارين للاستجابة لها، كما ابرز بنفس المناسبة الأدوار التي لعبها المغرب، الى جانب معركته الوطنية، في تعزيز قيم التضامن على المستوى الجهوي من خلال تقديم مساعدات غذائية ولوجيستيكية طبية لدول الجوار او تمتين تعاونه على المستوى الإقليمي، مشيرا في هذا الصدد الى أهمية مبادرة جلالة الملك محمد السادس والرامية إلى إنشاء إطار عملي يهدف إلى مواكبة البلدان الإفريقية في المراحل المختلفة لمواجهة وباءكورونا، من خلال السماح بتبادل الخبرات والممارسات الفضلى لمعالجة الآثار الصحية والاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن الوباء.
في حين خصص بن شماش المحور الثاني من مداخلته لاستعراض مختلف التحديات الجديدة التي تطرحها هذه الجائحة على مختلف المستويات والواجهات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، بمقابل ما يجب استخلاصه من دروس هذه الازمة، مؤكدا ان رغم كل الماسي الإنسانية والصعوبات الاجتماعية والاقتصادية التي تترتب عن هذا الوباء، فهي أزمة تتيح فرصا يجب استثمارها، مشيرا في هذا الاطار الى ما تحتمه كل هذه الاعتبارات من ضرورة إعادة النظر في ترتيب اجندة الأولويات الوطنية والدولية، سواء ملحاحية تصحيح الاختلالات التي تعيشها منظومة العلاقات الدولية والمنظومات الاقتصادية المتفرعة عنها، أو ضرورة إعادة تعريف مفهوم الدولة الوطنية وتعزيز أدوارها الاجتماعية بالأساس، مستدلا في هذا الاطار بالنموذج المغربي الذي طور في ظرف قصير وتحت اكراهات الازمة قطاعات وصناعات جديدة تحول فيها من الاستيراد التقليدي وشبه الدائم الى تحقيق الاكتفاء الذاتي بل والتصدير خصوصا في بعض المجالات التي تعتبر اليوم ذات ضرورة قصوى في الإجراءات الاحترازية في مواجهة تفشي الوباء والنجاح في معالجة ضحاياه.
الرمزية الثانية لهذا اللقاء هي النجاح في المواكبة البرلمانية لسياسة الانفتاح مقابل الانغلاق التي اعتمدها المغرب كأنجع السبل في المواجهة الجماعية لتمظهرات وتداعيات هذه الجائحة العالمية، واستثمار وتعزيز حضور المؤسسة التشريعية المغربية ضمن المجهودات البرلمانية بين_الإقليمية والدولية في التعاطي مع مختلف القضايا والترافع البرلماني من اجل إيصال صوت ومتطلبات الشعوب التي تضررت بشكل غير مسبوق من تداعيات هذه الجائحة سواء الاكراهات المستجدة التي فرضتها الازمة او تلك التي كانت تعاني منها مسبقا وعمقتها بشكل أقسى هذه الجائحة.
فالبرلمان المغربي وضمنه مجلس المستشارين، استطاع خلال السنين الأخيرة، تدارك غياب بل وما يمكن تسميته بالتناقض الكبير، ففي ظل اعتماد المغرب على تعزيز التعاون جنوب-جنوب كعماد في سياسته الخارجية، ظلت مجلسا البرلمان المغربي غائبا مؤسساتيا عن جل الاتحادات الجهوية والقارية بالمنطقتين الافريقية و الامريكو لاتينية ، مع ما تستوجبه هذه الإشارة من تأكيد على ضرورة عدم تبخيس العديد من المبادرات والزيارات والتظاهرات التي تم القيام بها في السابق، والأكيد ان العمل الدبلوماسي البرلماني يرتكز على التراكم، لكن الحديث هنا هو بالأساس على مستوى مأسسة هذا الحضور، ولو ان هذا الجانب يستوجب مقالا وتحليلا خاصا به، فتكفي الإشارة هنا الى ان هذا اللقاء عرف مشاركة رئيسات ورؤساء كافة وجميع الاتحادات البرلمانية الجهوية والقارية بمنطقة أمريكا اللاتينية والكراييب: برلمان أمريكا اللاتينية والكراييبparlatino الذي يضم أزيد من 23 دولة، ومنتدى الفوبريلfoprel الذي يضم رئيسات ورؤساء المجالس التشريعية لتسع دول بأمريكا الوسطى والكراييب، وكذا برلمان أمريكا الوسطى parlacen الذي ينتخب أعضاؤه بالاقتراع السري المباشر عن ستة دول بمنطقة أمريكا الوسطى وكذا البرلمان الاندينيparlandino الذي يضم ممثلي برلمانات خمس دول عن المنظومة الأندينية، وهي الاتحادات التي كان البرلمان المغربي غائبا عنها، بل وكانت فضاء تصدح فيه فقط أصوات المناوئين للمغرب، لتصبح اليوم وبعد أربع أو خمس سنوات من العمل المتواصل والجاد اتحادات برلمانية صديقة وشريكة يتمتع فيها البرلمان المغربي بصفة عضو ملاحظ دائم وشريك متقدم، لينضاف اليها في هذا الاجتماع برلمان السوق المشتركة لأمريكا الجنوبية (الميركوسور)parlasur والذي أكد رئيسه بالمناسبة انخراطه الرسمي في دينامية إرساء المنتدى البرلماني لبلدان لبلدان افريقيا وامريكا اللاتينية والكراييب ” أفرولاك” الذي سبق التوقيع عن إعلانه التأسيسي فاتح نونبر2019 بمقر مجلس المستشارين بعد ازيد من ثلاث سنوات من التنسيق والمشاورات والعمل المتواصل.
أما الرمزية الثالثة القوية لهذا اللقاء المنعقد بتقنية التواصل عن بعد، فتتجلى في مخرجاته وما ميزه من نقاش يرقى الى مستوى الحوار السياسي والبرلماني، حيث تمت المصادقة في ختامه على “إعلان مشترك”، نوه بالمبادرة السامية لجلالة الملك محمد السادس الرامية الى إرساء إطار عملي لمواجهة تداعيات هذا الوباء على المستوى الافريقي، حيث اعتبر رؤساء ورئيسات الاتحادات البرلمانية الجهوية والقارية الحاضرة أن الركائز والمبادئ والقيم المثلى لمبادرة جلالته تشكل أرضية صلبة لصياغة خطة عمل مشتركة بين كافة دول الجنوب من أجل مواجهة هذا الوباء وتداعياته على جميع المستويات.
كما دعا المشاركون إلى وضع “خطة انقاذ عالمية عادلة ومنصفة” لمساعدة الدول الاكثر تضررا من تبعات جائحة كورونا، بإسهام من الدول الكبرى والمقاولات المتعددة الجنسيات والصناديق السيادية الكبرى، تمكن من توفير التمويلات والمواكبة والمصاحبة المناسبة من أجل ضمان تعافي اقتصادي واجتماعي سريع لكل دول العالم.
والى جانب العديد من التوصيات والالتزامات التي تضمنها الإعلان على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية، فلقدتضمن الإعلان مناشدة وكالات الائتمان المتعددة الأطراف ، وكل الدائنين وحاملي السندات السيادية للبلدان النامية ، إعادة الهيكلة الشاملة والعادلة لهذه الديون ، وإلغاءها في الحالات القصوى لبعض الدول، كما وجه المشاركون من خلال نفس الاعلان نداء الى كافة المنظمات والاتحادات البرلمانية الجهوية والإقليمية والدولية من اجل الترافع المشترك والمطالبة بضمان مجانية اللقاح المرتقب لفيروس كوفيد 19 لفائدة الإنسانية جمعاء.