العربي أحمد
أثار إعلان مجلس المنافسة عن فتح تحقيق في شبهات ممارسات منافية للمنافسة داخل سوق توريد السردين الصناعي، جدلاً واسعاً حول مدى التزام الفاعلين في هذا القطاع بقواعد الشفافية وآليات السوق الحرة. في خطوة تعكس تعزيز أدوار المؤسسات التنظيمية، أكد المجلس، اليوم الخميس، أنه قرر بمبادرة منه فتح تحقيق رسمي، استناداً إلى معطيات وتحريات أولية تشير إلى وجود شبهات قوية بوجود اتفاقات غير مشروعة بين عدد من المتدخلين في السوق.
التحقيق الذي يستند إلى أحكام القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة، وقانون مجلس المنافسة رقم 20.13، كشف – وفق بلاغ رسمي – عن ممارسات استمرت لما يقارب عقدين من الزمن، تتجلى في توافقات بين فاعلين رئيسيين تهدف إلى التحكم في الأسعار عند البيع الأول للسردين الصناعي، وفرض قيود على الإنتاج والتوزيع. وهي ممارسات تتعارض مع روح التنافسية، وتؤثر بشكل مباشر على التوازنات الاقتصادية والعدالة التجارية، فضلاً عن الإضرار بمصالح المستهلكين.
الأخطر في المعطيات المقدمة أن هذه التفاهمات بين المجهزين البحريين، الوحدات الصناعية، وتجار الجملة، كانت تتم بشكل منسق، ما يشير إلى وجود بنية احتكارية مغلقة تمنع دخول متدخلين جدد وتقصي المنافسة الحرة. وهو ما يشكل تشويهاً ممنهجاً لآليات السوق، ويعطي إشارات سلبية للمستثمرين والفاعلين الاقتصاديين، خاصة في قطاع حيوي كالصناعات البحرية.
قرار المجلس بتبليغ المؤاخذات إلى 15 هيئة مهنية يُعد محطة مفصلية في مسار التقاضي المؤسساتي، ويعكس التزامه باحترام مبدأ التدرج في المسطرة القضائية، مع ضمان حقوق الدفاع للأطراف المعنية. ومن المرتقب أن تعرف الفترة المقبلة جلسات استماع ومناقشة، قبل أن يصدر المجلس قراره النهائي في هذه “النازلة” التي قد تترتب عنها تداعيات قانونية واقتصادية كبيرة.
هذه القضية تسلط الضوء على أهمية دور المؤسسات الدستورية في مراقبة السوق ومحاربة التفاهمات غير المشروعة، وتبرز الحاجة الملحة إلى إعادة النظر في منظومة الرقابة القطاعية، وتعزيز أدوات الضبط الاستباقي لمنع تكرار مثل هذه الحالات التي قد تضعف الثقة في مناخ الأعمال.
في انتظار قرار مجلس المنافسة، يبقى السؤال الجوهري: كيف أمكن لهذه الممارسات أن تستمر طيلة 20 سنة دون أن يتم كشفها أو التصدي لها؟ وهل تكون هذه القضية بداية لتطهير أوسع لأسواق أخرى تعرف بدورها اختلالات مماثلة؟