سليمان الخشين يكتب: قراءة في مرسومي إعلان حالة الطوارئ الصحية لمواجهة كورنا المستجد

عد الاطلاع على مرسوم بقانون رقم 292.20.2 صادر في 28 من رجب 1441( 23 مارس 2020 ) يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها وكذا مرسوم رقم 293.20.2 صادر في 29 من رجب 1441( 24 مارس 2020) بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا – كوفيد 19 واللذان تم نشرهما بالجريدة الرسمية الصادرة يومه الثلاثاء 24 مارس 2020، يمكن القول بأن هذين المرسومين يأتيان في ظروف استثنائية يعيشها المنتظم الدولي بما فيها المغرب، والمتعلقة بتفشي وباء كورونا المستجد والذي يتطلب إجراءات وقائية استثنائية من أجل مواجهته والتغلب عليه، ومن بين هذه التدابير فرض الحجر الصحي على عموم المواطنين، وإلزامهم بالبقاء في بيوتهم، وعدم مغادرتها إلا للضرورة القصوى المتعلقة بالعمل أو اقتناء المواد الغذائية الضرورية، أو للعلاج… ولذلك فإنه تم إصدار هذين المرسومين بناء على استعمال المادة 81 من الدستور والتي تخول للحكومة القيام بمهام التشريع في حالة الاستعجال أو الضرورة باتفاق مع اللجان الدائمة المعنية بكل من مجلسي النواب والمستشارين.

ومن جهة أخرى فإن هذين المرسومين يأتيان انسجاما مع اللوائح التنظيمية الصادرة عن منظمة الصحة العالمية، وذلك انسجاما مع نص عليه تصدير الدستور المغربي ب »جعل الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو، فور نشرها، على التشريعات الوطنية، والعمل على ملاءمة هذه التشريعات، مع ما تتطلبه تلك المصادقة ».

كما يجب التنويه إلى أن إصدار هذين المرسومين في هذه الظرفية الدقيقة ينسجم مع دولة الحق والقانون، حيث لا يمكن إعلان حالة الطوارئ الصحية مع ما تقتضيه من تدابير فيها مس بحرية الأفراد، سواء في تنقلهم أو في ممارستهم لأعمالهم وتجارتهم، ولذلك لا يمكن فرض هذه التدابير من خلال بلاغ حكومي فقط، بل لا بد أن يتم هذا التقييد من خلال مراسيم قوانين تنظيمية يتم نشرها بالجريدة الرسمية حتى يمكن فرض آثارها القانونية على المخاطبين بها. وهكذا يمكن القول بأن إصدار المرسومين جاء من أجل تصحيح الأوضاع القانونية لفرض حالة الطوارئ الصحية بمجموع البلاد، خاصة وأن فرض هذه الحالة الاستثنائية يتطلب تنفيذها مقرونا بعقوبات كإجراء ردعي من أجل امتثال الجميع لها، حيث إن القاعدة القانونية هي الوسيلة الوحيدة التي تتضمن خاصية الإلزام أمام المخاطبين بها. وهذا ما لا يمكن للبلاغ الحكومي أن يفرضه.

ومن الملاحظات الشكلية بخصوص هذين المرسومين أن مرسوم الإعلان عن فرض حالة الطوارئ الصحية لا يحدد بداية سريان هذه الحالة الاستثنائية، رغم أن المسودة الأولى للمرسوم كانت تشير إلى كونها ستبدأ من تاريخ 20 مارس المنصرم، ولكن تم حذفه من النص الرسمي، وذلك حتى يكون منسجما مع قاعدة « عدم رجعية القوانين » كمبدأ دستوري منصوص عليه في الفصل 6 من دستور 2011. ومن ثم يمكن اعتبار أن بدء سريان هذا المرسوم يبدأ من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية، ما دام النص لم يشر إلى تاريخ بداية سريان هذا النص، ولا تقييد سريانه بصدور نصوص أخرى.

هذا من حيث الشكل، أما من حيث المضمون، فإن مرسوم القانون « المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها « حدد في مادته الرابعة (الفقرة الثانية) العقوبات التي ستطبق على الأشخاص الذين لا يمتثلون لأوامر السلطات العمومية والمتمثلة في « الحبس من شھر إلى ثلاثة أشھر وبغرامة تتراوح بین 300 و1300 درھم أو بإحدى ھاتین العقوبتین، وذلك دون الإخلال بالعقوبة الجنائیة الأشد.

وبذلك فإن المشرع هنا لم يجعل عدم الامتثال لأوامر السلطة العمومية مجرد مخالفة، ولكنه ارتقى بها إلى جنحة، وذلك من أجل ضمان تقيد الناس بتعليمات وأوامر السلطات العمومية خلال هذه الفترة الاستثنائية، وذلك وفقا لما هو معمول به في باقي الدول الأخرى المجاورة التي اتجهت بدورها إلى تطبيق الغرامات المالية بالإضافة إلى العقوبات الحبسية في حق المخالفين. وفي اعتقادي بأن المشروع كان عليه أن ينص على ظروف تخفيف العقوبة أو إلغائها، بالنسبة الذين اضطروا إلى مخالفة أوامر السلطة العمومية لأسباب قاهرة.

أما الفقرة الثالثة من المادة الرابعة من مرسوم القانون السالف الذكر فجاءت بعقوبات مماثلة للفقرة السابقة في حق كل « من عرقل تنفیذ قرارات السلطات العمومیة المتخذة تطبیقا لھذا المرسوم بقانون، عن طریق العنف أو التھدید أو التدلیس أو الإكراه، وكل من قام بتحریض الغیر على مخالفة القرارات المذكورة في ھذه الفقرة، بواسطة الخطب أو الصیاح أو التھدیدات المفوه بھا في الأماكن أو الاجتماعية العمومیة، أو بواسطة المكتوبات أو المطبوعات أو الصور أو الأشرطة… » وفي اعتقادي أن العقوبة على الأعمال المذكورة كان يجب أن تكون أكثر شدة من سابقتها، باعتبار هذه الأفعال أكثر خطورة على الأمن والصحة العمومين، كما أنها أعمال مماثلة لجريمة العصيان المنصوص عليها في الفصل 300 وما بعده في القانون الجنائي المغربي الذي يعتبر « العصيان » كل هجوم أو مقاومة بواسطة العنف أو الإيذاء ضد موظفي أو ممثلي السلطة العامة القائمين بتنفيذ بتنفيذ الأوامر والقرارات الصادرة عن تلك السلطة، أو القائمين بتنفيذ القوانين أو النظم، أو أحكام القضاء أو قراراته. والتهديد بالعنف يعتبر مماثلا للعنف نفسه. حيث إن عقوبة العصيان قد تصل إلى ثلاث سنة إذا كانت منظمة من طرف أكثر من شخصين. ومن ثم فإن هذا التطابق في وصف هذا العمل الجنائي ما بين القانونين، يطرح إشكال القانون الواجب التطبيق في حالة القيام به أثناء حالة الحظر الصحي. وفي هذا الصدد نعتبر أن القانون الواجب التطبيق هو مرسوم القانون المذكور عملا بقاعدة « تطبيق القانون الأصلح للمتهم »، وكذلك عملا ب »قاعدة تقييد القانون الخاص للقانون العام ».

ومن بين الإجراءات الهامة التي جاء بها هذا المرسوم هو توقيف سريان مفعول جميع الآجال المنصوص عليها في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل خلال فترة حالة الطوارئ الصحية المعلن عنها، ويستأنف احتسابها ابتداء من اليوم الموالي ليوم رفع حالة الطوارئ المذكورة وبالتالي فإن الطعون باستئناف الأحكام القضائية أو طلب نقضها في جميع القضايا باستثناء القضايا الجنائية التي يوجد أصحابها رهن الاعتقال أو رهن الحراسة النظرية، كما أن وقف سريان مفعول الآجال سوف ينطبق بخصوص الطعن في القرارات الإدارية بسبب التجاوز في استعمال السلطة، أو باقي الإجراءات المعمول بها في الإدارات والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، مثل آجال تسجيل الولادات والوفيات بالحالة المدنية.

وإذا رجعنا إلى المرسوم الثاني المتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا – كوفيد 19 فإنه ينص في مادته الثانية (فقرة د) على أنه من بين التدابير التي يمكن اتخاذها من طرف عمال الأقاليم والعمالات أثناء فرص حالة الطوارئ الصحية: « إغلاق المحلات التجارية وغيرها من المؤسسات التي تستقبل العموم » وهذه الفقرة تتعارض مع الفقرة التي سبقتها والمتعلقة بالسماح للمواطنين باقتناء المواد الغذائية والأدوية وغيرها من المنتوجات التي لا يمكن للمواطن أن يستغني عنها في حياته اليومية، ولذلك كان يجب التنصيص فقط على ترك المجال لعمال العمالات والأقاليم من أجل اتخاذ التدابير اللازمة من أجل اتخاذ قرارات تنظيمية تندرج في إطار الشرطة الإدارية عملا بمقتضيات هذا المرسوم من أجل تحديد المؤسسات والمحلات التجارية التي تستقبل الجمهور التي يمكن إخضاعها للإغلاق، من أجل الحفاظ على الأمن والصحة العموميين. كما جاء في المادة الثالثة من المرسوم.

تبقى الإشارة إلى أن المرسومين موضوع هذه القراءة لم يشيرا إلى مجموعة من التدابير الواجب اتخاذها في مثل هذه الظروف الاستثنائية، ومن بينها
– النص على معاقبة كل مسؤول ثبت استعماله للقوة أو أي ممارسة مهينة تحط من كرامة الإنسان.
– الإشارة إلى كيفية تنظيم تنقل الأفراد من أجل اقتناء المواد الأساسية أو لتلقي العلاج وشراء الأدوية.
– النص على ضرورة إجراء الفحوصات الطبية اللازمة بالنسبة لكل شخص لديه أعراض مشابهة لداء كورونا المستجد، تحت طائلة تعرضه للعقاب، من أجل الحد من تفشي الوباء.

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *