قرار إعفاء المعاشات.. مناورة حكومية تكشف زيف شعارات الدولة الاجتماعية

هاشتاغ _ عبد القادر حبيب الله

قرار إعفاء المعاشات من الضريبة على الدخل ليس سوى مناورة حكومية مكشوفة تكشف زيف شعارات الدولة الاجتماعية التي ترفعها الحكومة الحالية، إذ أن هذا القرار، الذي رُوج له كإنجاز اجتماعي مهم يهدف إلى تحسين أوضاع المتقاعدين، سرعان ما أظهر حقيقته الفارغة حين كشفت المعطيات التي أوردتها الشبكة المغربية لهيئات المتقاعدين أن 90% من المتقاعدين لن يستفيدوا منه أصلاً، لأن معاشاتهم الهزيلة غير خاضعة للضريبة من الأساس، مما يُفيدة بأنهُ قرار بلا أثر، لا يعالج المشكلات الحقيقية التي تواجه المتقاعدين، بل يعمق شعورهم بالتهميش والإقصاء.

الحكومة بهذا القرار لم تقدم حلاً، بل أطلقت مناورة سياسية لتضليل الرأي العام، محاولة إيهام المواطنين بأنها تعمل على تحسين أوضاع المتقاعدين، بينما هي في الواقع تواصل سياسة التسويف والهروب إلى الأمام. كيف يمكن لقرار لا يمس الغالبية العظمى من المتقاعدين أن يحقق العدالة الاجتماعية أو يرفع من قدرتهم الشرائية؟ الإجابة واضحة: لا يمكن. إنه إجراء رمزي يخدم فقط الأقلية الميسورة، مما يعزز الفوارق الطبقية ويترك الفئات الهشة تصارع غلاء المعيشة بموارد شحيحة.

ما يثير السخط هو أن الحكومة لم تكتفِ بالتقاعس عن تلبية المطالب المشروعة للمتقاعدين، بل اختارت تجاهلها تماماً. المطالب التي تتسم بالوضوح والواقعية تشمل اعتماد السلم المتحرك للمعاشات لمواكبة الارتفاع الجنوني للأسعار، وزيادة فعلية في المعاشات بما لا يقل عن 2000 درهم لتوفير الحد الأدنى من الكرامة، علاوة على تمكين الأرامل من الاستفادة الكاملة من معاش أزواجهن، وهو مطلب إنساني وحقوقي.

وبدلاً من الاستجابة لهذه المطالب التي تعكس احتياجات حقيقية، لجأت الحكومة إلى سياسة التمويه باتخاذ قرار شكلي، لا يخدم إلا مصالحها السياسية. لقد أصبح واضحاً أن الحديث عن “الدولة الاجتماعية” مجرد شعار أجوف لا يجد له أي تجسيد في السياسات الواقعية، إذ أن القرارات الاجتماعية الحقيقية لا تُبنى على حسابات شعبوية أو مبادرات فارغة، بل تحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية تعطي الأولوية للكرامة الإنسانية والعدالة.

ويعكس هذا القرار فشلاً مزدوجاً، فشلاً في التعاطي مع الملفات الاجتماعية الملحة، وفشلاً في بناء الثقة بين الحكومة والمواطنين، حيث أن المتقاعدون، الذين أفنوا حياتهم في خدمة هذا الوطن، يجدون أنفسهم اليوم ضحايا سياسات حكومية تسعى لتلميع صورتها بدل الإنصات لمعاناتهم. إنه نموذج آخر لكيفية تعامل الحكومة مع الفئات الأكثر هشاشة بمزيج من التجاهل واللامبالاة، وهو ما يهدد ليس فقط استقرار هذه الفئة، بل استقرار المجتمع ككل.

المغرب اليوم بحاجة إلى سياسات حقيقية تتجاوز الترضيات الشكلية وتضع مصلحة المواطن في صلب الأولويات، باعتبار أن الاستمرار في هذه السياسات العبثية لا يؤدي سوى إلى تعميق الفوارق الاجتماعية وإضعاف الثقة في المؤسسات.

فإذا كانت الحكومة جادة في بناء دولة اجتماعية حقيقية، فعليها إيقاف هذه المناورات السياسية التي لم تعد تخدع أحداً، حيث أن العدالة الاجتماعية ليست شعاراً انتخابياً، بل هي التزام سياسي وأخلاقي يجب الوفاء به، وإلا فإن كل حديث عن “الدولة الاجتماعية” سيبقى مجرد أكذوبة أخرى تُضاف إلى سجل الإخفاقات الحكومية.