قنصلية أمريكية في الداخلة.. بداية العد التنازلي لحسم السيادة المغربية

بدأت معالم تفعيل الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء تأخذ شكلها الواقعي، مع اقتراب تنفيذ بنود هذا الاعتراف، وعلى رأسها افتتاح قنصلية أمريكية في مدينة الداخلة، وفق ما تم الاتفاق عليه خلال ولاية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. وتعد عودة ترامب المحتملة لرئاسة الولايات المتحدة فرصة استراتيجية لتسريع تنفيذ هذا الاعتراف، وتحويله من التزامات دبلوماسية إلى خطوات عملية ملموسة، تمهيدًا لطي صفحة النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية بشكل نهائي.

كان إعلان الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية في 10 دجنبر 2020، عقب اتصال بين جلالة الملك محمد السادس والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، نقطة تحول استراتيجية في مسار القضية الوطنية. وقد أعلن حينها وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو عن الشروع في إجراءات إحداث قنصلية أمريكية بمدينة الداخلة، لتكون منصة لتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة. وفي 10 يناير 2021، قام السفير الأمريكي السابق دافيد فيشر بزيارة رسمية إلى الداخلة لإعطاء الانطلاقة للعملية الرسمية لافتتاح القنصلية.

ورغم أن ولاية الرئيس جو بايدن لم تشهد تفعيلًا مباشرًا لهذا القرار، إلا أن الولايات المتحدة واصلت دعمها لمخطط الحكم الذاتي كحل واقعي وجاد للنزاع. وفي أكتوبر الماضي، أكدت الخارجية الأمريكية مجددًا دعمها لمبادرة الحكم الذاتي المغربية، ووصفتها بـ”الجدية والموثوقة”، في لقاء جمع وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة ونظيره الأمريكي أنتوني بلينكن.

مع اقتراب تسلم دونالد ترامب مقاليد الحكم مجددًا، بدأت تظهر إرهاصات التحرك الأمريكي لتفعيل الاعتراف بمغربية الصحراء. وكشفت صحيفة «فوزبوبولي» الإسبانية عن استعداد الولايات المتحدة لافتتاح قنصلية في مدينة الداخلة خلال الربع الأول من عام 2025، في خطوة تعكس جدية الإدارة الأمريكية القادمة في تعزيز العلاقات الثنائية مع المغرب، وتثبيت دعمها للسيادة المغربية على الصحراء.

إلى جانب ذلك، يعتزم وفد اقتصادي أمريكي ضخم زيارة المغرب الشهر المقبل، لاستكشاف فرص التعاون الاقتصادي عبر بوابة الصحراء المغربية، في إطار مبادرة الأطلسي التي أطلقها جلالة الملك. ومن المقرر أن يضم الوفد ممثلين عن 50 شركة أمريكية كبرى، بالإضافة إلى وزراء زراعة ومسؤولين حكوميين من عدة ولايات أمريكية، بهدف تعزيز الشراكات الاقتصادية مع المغرب والتوسع في أسواق غرب إفريقيا.

باتت الصحراء المغربية، بفضل موقعها الاستراتيجي كبوابة نحو إفريقيا، محورًا أساسيًا في العلاقات الاقتصادية الدولية. ويعد المغرب ثاني أكبر سوق إفريقي للصادرات الزراعية والغذائية الأمريكية، حيث بلغت قيمة الصادرات الأمريكية إلى المملكة حوالي 619 مليون دولار العام الماضي. وتسعى الولايات المتحدة لتعزيز حضورها الاقتصادي في المنطقة عبر بوابة الداخلة، باعتبارها نقطة عبور رئيسية نحو أسواق غرب إفريقيا.

على الصعيد الدولي، أصبحت قضية الصحراء المغربية تحظى بدعم متزايد من القوى العالمية، التي بدأت تدرك أهمية المبادرة المغربية للحكم الذاتي كحل واقعي لإنهاء النزاع. ووفقًا لمراقبين، فإن عودة ترامب لرئاسة الولايات المتحدة قد تسرّع من وتيرة الاعتراف الدولي بمغربية الصحراء، خاصة مع تسارع العديد من الدول لتثبيت مواقفها ودعم السيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية.

وفي هذا السياق، أكد الخطاب الملكي الأخير بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء على أهمية هذه الدينامية الدولية، مشددًا على أن المغرب يسير بثبات نحو طي صفحة النزاع المفتعل، وتعزيز مكانته كشريك دولي في تحقيق الاستقرار والتنمية في المنطقة.

تعد عودة ترامب لرئاسة الولايات المتحدة عنصرًا محفزًا للإسراع بإغلاق ملف الصحراء المغربية، حيث يدرك الجميع أن الفرصة مواتية لركوب قطار الاعتراف بمغربية الصحراء وتثبيت الحق المغربي على المستوى الدولي. ومع الزخم الكبير الذي تشهده القضية، والتحركات الدبلوماسية والاقتصادية المتسارعة، يبدو أن ملف الصحراء المغربية يقترب أكثر من أي وقت مضى من الحل النهائي، وفق رؤية المملكة واستراتيجيتها الواضحة.