الحاج ساسيوي-أستاذ باحث
مع مطلع العشرية الثانية من القرن الحالي،بدأ العالم يعرف تغيرات كبيرة ونوعية،من قبيل التنافس المرير على قيادة العالم بين معسكرين ندين وقويين؛ الولايات المتحدة والصين الشعبية.وبدأ تشكل نظام عالمي جديد،برزت معالمه الأولية تظهر بشكل خاص مع مطلع القرن الحالي،لتتضح بشكل جلي ومتسارع خلال تفشي الفيروس التاجي،الذي عجل بخلق تنافسية بين الدولتين المتنافستين.
ولم يكد العالم يبدأ في التعافي التدريجي من تداعيات الفيروس التاجي حتى اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية،التي أدخلته في أزمة حادة،خصوصا على المستوى الاجتماعي والاقتصادي،إذ تعرف القارة الأوروبية أكبر موجة نزوح بشرية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.ولم تقتصر تداعيات هذه الحرب على طرفيها،أو حتى على محيطها الإقليمي،بل تجاوزته إلى باقي بلدان المعمور،فاصبحت هذه الأخيرة مهددة بتنامي مجاعات ستتفاوت حدتها بين بلدان المعمور،وسيكون منسوبها مرتفعا لدى الدول الفقيرة والمتخلفة،مما سيعجل بنشوب اضطرابات اجتماعية بها،قد تعصف بأمنها واستقرارها.
إن صدمة دول العالم بهذه الأزمات كانت فجائية وغير منتظرة،مما جعل التعامل معها يشوبه الكثير من التردد والاضطراب.ومع هذه الوضعية المقلقة برزت في الآونة الأخيرة أزمة أخرى،لايتردد الكثير من المختصين في الجزم بحدوثها وتحققها؛إنها أزمة “كاريش” التي تنذر بنشوب حرب بين لبنان و إسرائيل.
تعتبر “كاريش” منطقة بحرية متنازع حولها بين لبنان وإسرائيل. وتتميز بكونها خزانا نفطيا وغازيا،إلا أن إسرائيل بادرت بالتنقيب عن هذه الثروات بها،بل سارعت بارسال سفينة يونانية للقيام بهذه المهمة. وعلى الفور أعلنت القيادة اللبنانية عن اعتراضها وتنديدها بهذا التصرف غير المحسوب.ولم يتأخر رد فعل فصائل المقاومة،وفي طليعتها حزب الله،الذي دعا أمينه العام في خطاب متلفز (الخميس 09 يونيو 2022) إسرائيل إلى الكف عن الاستمرار في هذا الفعل. ودعا من خلاله الشركة اليونانية إلى الانسحاب من هذه المنطقة،وإلا فإنها تعتبر شريكة في هذا العمل.ولم يكتف السيد نصر الله بهذا بل أكد بأن الرد سيكون حازما وقاسيا،وأن فيالق المقاومة لن تقف مكتوفة الأيدي،بل إن تداعيات هذه الحرب ستتجاوز مجالها الجغرافي،وستكون مِؤلمة وقاسية لإسرائيل.
يكاد يجمع جمهور المحللين السياسيين أن الحرب ستقع لامحالة،لأسباب عدة؛يأتي في مقدمتها تشبث طرفي النزاع بمواقفهما،ثم تعثر المفاوضات الأمريكية الإيرانية حول البرنامج النووي الإيراني،خصوصا وأن إيران بلغت مستوى متميزا في تخصيب الأورانيوم،مما سيمهد لإمتلاكها القنبلة النووية.
إن نشوب حرب جديدة تدعى “كاريش”،ستجعل من الوضع العالمي،وضعا متأزما،على جميع الأصعدة،إذا ما استحضرنا الإشكالات التي أفرزتها الحرب الروسية الأوكرانية،والتي قد تتسع دائرتها مع مرور الوقت،خصوصا وأن مجموعة من الدول انخرطت فيها بشكل غير مباشر (الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية) عبر التزويد بالأسلحة المتطورة وإمداد القوات الأوكرانية بما نعت ب”المتطوعين”.
إن اندلاع هذه الحرب(كاريش) ستجعل من القرن الحالي قرن حروب بامتياز،خصوصا وأن الأطراف المشاركة فيها لها مكانتها النوعية الشبكية والعلائقية،فالتداعيات ستكون كبيرة،والمستقبل سيكون قاسيا ومؤلما.