كيف كبّد المغاربة سنطرال دانون 178 مليار وغيّروا معادلة السوق؟

عادت الصحافة الفرنسية، بعد ثماني سنوات، إلى تسليط الضوء على واحدة من أضخم الحملات الشعبية التي عرفها المغرب خلال العقد الأخير، حملة المقاطعة التي هزت أركان السوق الوطني سنة 2018، وجعلت من شركة “سنطرال دانون” عنوانًا بارزًا للاحتجاج الاستهلاكي. فالأرقام الصادرة تكشف عن حجم الخسائر التاريخية التي تكبدتها المجموعة الفرنسية، والتي بلغت 178 مليون يورو، أي ما يعادل 178 مليار سنتيم، نتيجة مقاطعة جماهيرية غير مسبوقة.

الحملة التي انطلقت من موقع “فيسبوك” سرعان ما تجاوزت حدود الفضاء الرقمي لتتحول إلى حراك شعبي عابر للفئات الاجتماعية، قادته أساسًا الطبقة المتوسطة التي ضاقت ذرعًا بارتفاع الأسعار، قبل أن يلتحق بها ملايين المغاربة، حيث أظهرت استطلاعات الرأي حينها أن أكثر من نصف المستهلكين توقفوا عن شراء منتجات الشركات المستهدفة، وعلى رأسها حليب “سنطرال دانون”.

وقع الصدمة كان قوياً على الشركة، إذ اضطر مديرها العام بالمغرب إلى تعليق شراء جزء من الكميات التي يجمعها 120 ألف فلاح، ما أدى إلى تسريح مئات العمال وإرباك التعاونيات الفلاحية، في مشهد عكس هشاشة التوازن بين الشركات الكبرى والفئات الفلاحية التي تقتات من هذه المنظومة. وبلغ الغضب مداه حين نظم مستخدمون وقفات احتجاجية أمام البرلمان، محملين الحكومة مسؤولية الأزمة ومرددين أن “العمال لا يجب أن يدفعوا ثمن غلاء المعيشة”.

محاولات التدارك لم تنجح في كسر المقاطعة، إذ لم تفلح خطوة بيع لتر الحليب بسعر التكلفة في استعادة ثقة المستهلكين، بعدما ترسخت صورة الشركة كـ”قريبة من السلطة والنخبة”، وفق اعترافات رئيسها التنفيذي إيمانويل فابر نفسه. وهكذا سجلت المقاطعة سابقة في تاريخ السوق المغربي، ليس فقط بحجم الخسائر التي كبّدتها شركة متعددة الجنسيات، بل بكونها جسدت ولأول مرة قدرة المستهلك المغربي على فرض قوته ومقاطعة منتج ما كرسالة احتجاجية ضد الغلاء والاحتكار.