لشكر يُغازل موخاريق.. تهنئة بطعم التودٌد واستلهام فن البقاء في الزعامة!

يبدو أن إدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، لم يجد حرجا في بعث رسالة تهنئة حارة إلى الميلودي موخاريق بعد إعادة انتخابه لولاية رابعة على رأس الاتحاد المغربي للشغل، وكأنما أراد استمالة ودّ زعيم نقابي يبدو أنه أصبح جزءًا من المشهد الأبدي للنقابة، رغم تجاوزه الخامسة والسبعين من العمر واستمراره في قيادة المركزية النقابية منذ سنة 2010.

ففي رسالة تحمل بين طياتها نبرة استلطاف واضحة، هنأ لشكر موخاريق على إعادة انتخابه أمينا عاما، متمنيا له “النجاح والتوفيق في مهامه خدمة للمصالح العليا للبلاد”، في صياغة توحي وكأن الرجل أعيد انتخابه بانتخابات شعبية نزيهة وليس بتجديد أوتوماتيكي داخل مؤتمر تنظيمي ظل مغلقًا على نفسه منذ عقود. فالمفارقة أن الاتحاد المغربي للشغل، الذي ظل لعقود يدافع عن مبدأ “تجديد النخب” ورفض احتكار المناصب، يبدو أنه انحرف عن هذه القاعدة عندما يتعلق الأمر بقيادته العليا.

وبرغم سنّه المتقدم، 75 عامًا، يواصل الميلودي موخاريق الإمساك بزمام النقابة، وكأن الاتحاد المغربي للشغل بات معتادا على إعادة تدوير زعيمه بدل ضخ دماء جديدة في هياكله. فمنذ انتخابه عام 2010، والرجل يمدد لنفسه الولاية تلو الأخرى، حتى بات الحديث عن “التناوب” داخل النقابة أقرب إلى السراب منه إلى الواقع.

والمثير للانتباه أن مؤتمر الاتحاد المغربي للشغل، الذي انعقد تحت شعار “70 سنة من الوفاء لهوية ومبادئ الاتحاد المغربي للشغل”، عرف مشاركة 1700 مؤتمر ومؤتمرة، لكن دون أن ينجح أي صوت داخلي في طرح السؤال الجوهري: إلى متى يستمر نفس الوجه في قيادة النقابة؟ وكيف لنقابة تدّعي الدفاع عن الديمقراطية والحريات النقابية أن تبقى حبيسة حكم الرجل الواحد؟

إن رسالة ادريس لشكر الموجهة إلى موخاريق تطرح العديد من التساؤلات حول دلالاتها السياسية والنقابية، حيث يبدو أن إدريس لشكر لا يكتفي فقط بخطب ود الميلودي موخاريق، بل قد يكون في مرحلة استلهام النموذج الذي يضمن له البقاء في المشهد السياسي لأطول فترة ممكنة. فمنذ توليه قيادة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أظهر لشكر مهارة استثنائية في إحكام السيطرة على الحزب وإعادة تشكيل هياكله التنظيمية بما يضمن ولاء داخليا، وهو نهج لا يختلف كثيرًا عن الطريقة التي يدير بها موخاريق نقابته.

فهل يسعى لشكر بدوره إلى تحصين موقعه داخل الاتحاد الاشتراكي وتحويله إلى “إرث سياسي” يمدد لنفسه داخله كما فعل موخاريق في الاتحاد المغربي للشغل؟ وهل تكون هذه الرسالة مجرد إعلان غير مباشر عن توجهه نحو زعامة طويلة الأمد، متجاوزًا كل الدعوات إلى التداول الديمقراطي داخل الحزب؟

وإذا كان موخاريق يرى في نفسه زعيما خالدا للنقابة، فإن الواقع النقابي في المغرب يعكس مشهدًا مختلفًا تمامًا. فالتنظيمات الحزبية والنقابية تعاني من تآكل مصداقيتها، وتراجع حضورها في تأطير المجتمع والدفاع عن الشغيلة، مقابل تحولها إلى أدوات مساومة في المشهد السياسي. والنتيجة أن المغاربة لم يعودوا يجدون في هذه التنظيمات الحماية الفعلية من شراسة القرارات الحكومية التي تطحن القدرة الشرائية وتضرب مكتسباتهم الاجتماعية.

وفيما يبدو أن الميلودي موخاريق مستمر في معركته للبقاء على رأس الاتحاد المغربي للشغل، مدعوما بـ”شرعية المؤتمرات” التي تجدد له العهد دون نقاش، فيما يسير إدريس لشكر على نفس الخطى، بعدما أحكم قبضته على الاتحاد الاشتراكي لولايتين، ولا يخفي رغبته في التمديد أكثر، ولو عبر هندسة تحالفات تضمن له النفوذ والاستمرار. وبينما يتودد للقيادات النقابية “الخالدة”، يطرح السؤال نفسه هل أصبح لشكر يتهيأ ليكون “موخاريق السياسة”، زعيما أبديا لحزب تحوّل مع الزمن إلى آلة ولاءات تحت الطلب؟ أم أن هذه المناورات ليست سوى مقدمة لصفقة سياسية كبرى، حيث يتقاطع النفوذ النقابي مع الطموح الحزبي في لعبة كواليس لا مكان فيها لقواعد التداول الديمقراطي؟