لماذا تناهض جنوب إفريقيا وحلفاؤها شرعية سيادة المغرب على صحرائه؟

محمد بوبكري
يجمع المتتبعون لقضية الوحدة الترابية المغربية على أن دولة جنوب أفريقيا تعد ثاني بلد أفريقي كبير داعم لما يسمى بـ » البوليساريو » بعد جنرالات الجزائر. فما الذي دفع هذا البلد إلى مناهضة شرعية سيادة المغرب على صحرائه وانخراطه في الدفاع الشرس عن أطروحة جنرالات الجزائر التي تناهض شرعية حق المغرب في سيادته على أقاليمه الجنوبية؟ هل يعود ذلك إلى العلاقة المتينة التي تجمع بين حكام الجزائر وجنوب أفريقيا؟ هل استطاعت الجزائر أن تمارس التضليل عبر تقديم قضية الصحراء المغربية بكونها قضية تحررية حقوقية، وإخفاء أطماعها التوسعية على حساب الوحدة الترابية المغربية أم يعود ذلك لأسباب أخرى؟…

من المعلوم تاريخيا أن علاقة المغرب بدولة جنوب أفريقيا كانت جيدة. فقد زار الراحل المرحوم « نلسون مانديلا » المغرب سنة 1962 بغية طلب الدعم لـ « حزب المؤتمر الوطني الإفريقي » الذي كان يصارع في بلاده نظام الأبارتايد آنذاك، وقد التقى بالمرحوم عبد الكريم الخطيب، وطلب منه أن يتصل بالدولة المغربية لإخبارها بذلك، فاتصل هذا الأخير بدوائر الدولة. ونظرا لإيمان المغرب بمبدأ دعم حركات التحرر، وسيرا على دعمه لـ « جبهة التحرير الوطني الجزائرية » وغيرها من حركات التحرر، فقد استجاب الملك الراحل المرحوم الحسن الثاني لطلب « نيلسون مانديلا »، وظل دعم المغرب لـ » حزب المؤتمر الأفريقي » منذ ذلك الوقت حتى خروج مانديلا من السجن، حيث زار المغرب سنة 1990 لتقديم شكره للمرحوم الحين الثاني على دعمه لحركته التحررية.

ويجمع الخبراء والمتتبعون على أن حكام الجزائر لجأوا إلى ممارسة دبلوماسية الشيكات في القارة الأفريقية، حيث أنفقوا ملايير ثقيلة لكسب أصوات إفريقية مساندة لما يسمى بـ » البوليساريو »، كما لجأوا إلى أساليب التضليل وتزوير التاريخ من أجل تسويق صورة  » البوليساريو » باعتبارها حركة تحرير. وقد أقدموا على ذلك من أجل احتلال الصحراء المغربية بعد فصلها عن المغرب، وهذا ما يؤكده سعارهم اليوم بعد أن بدأوا يتأكدون أن أحلامهم قد تبخرت.

وبعد تضييق الخناق على المغرب من قبل حكام الجزائر وحلفائهم فيما كان يسمى وقتذاك بـ »منظمة الوحدة الأفريقية »، اضطر بلدنا إلى اتخاذ قرار الانسحاب من هذه المنظمة الجهوية سنة 1984 ولم يعد إلى « الاتحاد الأفريقي » إلا سنة 2017. وخلال هذه الفترة الزمنية الفاصلة بين الانسحاب والعودة، واكب المغرب تطور الأحداث داخل هذه المنظمة الجهوية. وبعد تأمل عميق في علاقته بهذه المنظمة، قرر الملك محمد السادس العودة إلى « الاتحاد الأفريقي » الذي عوض « منظمة الوحدة الأفريقية ». لكن عودة المغرب عرفت مقاومة من جانب حكام الجزائر وجنوب أفريقيا وأتباعهم الذين باؤوا بالفشل في مسعاهم المناهض للمغرب.

لقد قاد تأمل المغرب فيما يجري في أفريقيا إلى تغيير أسلوب تواصله مع دول هذه القارة، فقرر أن يستبدل السياسة بالاقتصاد، وأقام علاقات اقتصادية مع مختلف الدول الأفريقية. وكانت البداية مع الدول الأفريقية التي تجمعها معها علاقات تاريخية، والتي لم تعترف بـ « البوليساريو ». كما اشتغل المغرب على ملف أفريقيا بعقلانية عبر جمع بيانات والقيام بدراسات، وتكوين ملف دقيق حول مختلف جوانب حياة البلدان الأفريقية، ما أهله ليصبح خبيرا تنمويا فيها. وبعد إنضاج خطته التنموية في القارة السمراء، شرع الملك محمد السادس في القيام بزيارات متعددة لمختلف البلدان الأفريقية، حيث وقع المغرب اتفاقيات شراكة وبرامج تنموية معها. ولم يقتصر عمله على الدول الأفريقية الناطقة بالفرنسية، بل انتقل حتى إلى الدول الأنجلوساكسونية، حيث وقع اتفاقية مع نجيريا تقضي بمرور أنبوب الغاز عبر التراب المغربي بصحرائه إلى أوروبا، كما طور مشروعا مع إثيوبيا حول مشتقات الفوسفاط… وهذا ما جعل المغرب يكتسب ثقة أغلب البلدان الأفريقية، فقرر العودة إلى « الاتحاد الأفريقي » الذي يعتبره فضاءه الطبيعي، وبذلك تمكن من التخلص من سياسة الكرسي الفارغ عبر نهج أسلوب براغماتي مكنه في نهاية المطاف من احتلال موقع الصدارة داخل هذا التنظيم الجهوي.

وبعد عودة المغرب إلى « الاتحاد الأفريقي »، بدأ بعضهم، بمن فيهم حكام الجزائر، يروجون أن المغرب اضطر للاعتراف بـ » البوليساريو »، حيث صار يشارك في اجتماعات يشارك فيها هذا التنظيم. ولكن ما لا يعلمه هؤلاء المغرضون هو أن اجتماعات « الاتحاد الأفريقي » هي اجتماعات متعددة الأطراف تشارك فيها كافة البلدان الأفريقية، ولا يجتمع فيها المغرب رأسا لرأس مع « البوليساريو ».

ولدحض تضليلهم هذا، أقول لهم.: « لماذا تشاركون في اجتماعات الأمم المتحدة، وإسرائيل حاضرة معكم في اجتماعاتها بكونها عضوا فيها؟ واعتمادا على المنطق نفسه الذي اعتمدوه لترويج دعايتهم الخسيسة ضد المغرب، فإن حضورهم في اجتماعات الأمم المتحدة يشكل اعترافا بدولة إسرائيل. لذلك، أدعوهم إلى الانسحاب من الأمم المتحدة التي تضم في عضويتها إسرائيل. إنهم عاجزون حتى عن التلميح لذلك، لأنهم يعون أنه سيتم لفظهم من قبل المنتظم الدولي جميعه.

وتجدر الإشارة إلى أن هناك خبرا يروج في أروقة الأمم المتحدة مفاده أن كل القارات ممثلة في مجلس الأمن إلا أفريقيا التي ليست لها تمثيلية فيه. وعندما وصل هذا الخبر إلى علم حكام جنوب أفريقيا، سال لعابهم، وأصبحت لهم رغبة جامحة في اكتساب العضوية الدائمة في مجلس الأمن، وبدأوا يرون في المغرب منافسا حقيقيا لهم، فاشتد حقدهم عليه، وشاركهم حكام الجزائر وإيران وتركيا في ذلك.

ومن حكمة ملك المغرب أنه جعل للمغرب رؤية عقلانية وواضحة لعمله الدبلوماسي، حيث صار براغماتيا، يحسن التواصل مع الجميع، ما أفضى به إلى ممارسة الدبلوماسية بأخلاق وتضحيات مادية لصالح الشعوب والأوطان الأفريقية، وليس لصالح الأشخاص، كما يفعل حكام الجزائر الذين ينهبون أموال الشعب الجزائري، وكادوا يتركونه في العراء.

ولتنفيذ المغرب لمشاريعه المشتركة مع مختلف الدول الأفريقية، فقد استثمر 8 مليار دولار، كما بحث عن مستثمرين عرب وغربيين للقيام باستثمارات أخرى، ما حسن صورة المغرب وأكسبه أصدقاء كثر في أفريقيا.

وبعد اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بشرعية سيادة المغرب على صحرائه، تأكد حكام الجزائر وإيران وتركيا وجنوب أفريقيا من أن المغرب سيعرف نموا كبيرا، ما يمكنه من احتلال موقع مهم في أفريقيا والشرق الأوسط، فبدأوا يحقدون عليه لأنه صار يشكل منافسا حقيقيا لهم قادرا على إجهاض أحلامهم التوسعية.

بناء عليه، فإنني متفائل بمستقبل المغرب نتيجة حكمة ملكه وعبقريته وبعد نظره، ونظرا لما بجمع الولايات المتحدة الأمريكية من علاقات وطيدة مع بريطانيا. ونظرا لانسحاب بريطانيا من الوحدة الأوروبية، فإنه من المحتمل جدا أن تقوم بريطانيا بفتح قنصلية عامة لها بالصحراء المغربية، كما أن ألمانيا ستتخذ القرار نفسه، ما يعني أن البقية ستأتي تباعا.

ومادام كل شيء ممكن في السياسية، فإنه ليس مستبعدا ان نرى غدا جنوب أفريقيا تفتح قنصلية بالصحراء المغربية. هكذا، سيعرف المغرب استثمارات عديدة، ستساهم بدورها في تنميته. كما أني متفائل بمستقبل المغرب الذي قد يصبح إن شاء الله عضوا في الحلف الأطلسي.

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *