لماذا منشور رئيس الحكومة بتأجيل مستحقات ترقيات الموظفين العموميين غير قانوني؟

سليمان الخشين يكتب: لماذا منشور رئيس الحكومة بتأجيل مستحقات ترقيات الموظفين العموميين غير قانوني؟

قامت تنسيقية نقابية مكونة من مجموعة من النقابات هي الاتحاد العام للشغالين بالمغرب والفدرالية الديمقراطية للشعل والكونفدرالية الديمقراطية للشغل بإصدار بيان حول منشور رئيس الحكومة رقم 03.20 بتاريخ 25 مارس 2020 بخصوص تأجيل جميع أنواع ترقيات الموظفين باستثناء موظفي الإدارة المكلفة بالأمن الداخلي، وموظفي قطاع الصحة العمومية، حيث وصفته بالمنشور التمييزي وغير القانوني. الشيء الذي يجعلنا نتساءل إلى أي مدى ينطبق هذان النعتان على المنشور الوزاري المذكور.

في البداية وقبل مناقشة مضامين منشور السيد رئيس الحكومة، ينبغي التنبيه إلى أن هذا المنشور قد تم إصداره في ظروف استثنائية يمر منها المغرب، ألا وهي مرحلة تطبيق حالة الطوارئ الصحية والتي تنتهي إلى غاية 20 أبريل 2020 والمنظمة بواسطة مرسوم بقانون رقم 2.20.292 صادر في 23 مارس 2020 والذي ينص في مادته الخامسة على ما يلي: “يجوز للحكومة، إذا اقتضت الضرورة القصوى ذلك، أن تتخذ، بصفة استثنائية، أي إجراء ذي طابع اقتصادي أو مالي أو اجتماعي أو بيئي يكتسي صبغة الاستعجال، والذي من شأنه الإسهام، بكيفية مباشرة، في مواجهة الآثار السلبية المترتبة على إعلان حالة الطوارئ الصحية المذكورة.” ومن ثم فإنه من جميع الموظفين العموميين المعنيين بهذا المنشور أن يتساءلوا إن كانت خزينة الدولة نظرا لهذا الظرف الطارئ، قد أصبحت عاجزة عن أداء مستحقات موظفيها الناجمة عن ترقياتهم في مختلف الرتب والدرجات؟ أو أن هذه المستحقات ستقوم بتحويلها إلى الصندوق الخاص بمواجه جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) من أجل التغلب على الصعوبات المالية الناجمة عن معالجة الآثار المترتبة عن فرض حالة الطوارئ الصحة المذكورة، والمتمثلة بصفة خاصة في منح التعويضات الاستثنائية لفائدة الأسر المتضررة منه بعد التوقف الاضطراري عن العمل. وإذا كان الأمر كذلك فهل الموظفون العموميون هم الذين يجب عليهم أن يتحملوا لوحدهم تبعات هذا العجز المالي للدولة في مواجهة آثار الطوارئ الصحية المعلنة؟ أم أن الحكومة، كما هي عادتها، تفضل اللجوء إلى الحلول السهلة، ولو كانت هذه الحلول غير قانونية (مثال ذلك تحميل الموظفين تبعات العجز الحاصل في صناديق التقاعد من خلال تحميلهم خصم ما يناهز 4% من رواتبهم). هل أصبح الموظفون العموميون هم الحائط القصير للحكومة كلما ألمت بها ضائقة مالية؟
يجب الإشارة في هذا الصدد بأن الحكومة قد قامت بالتغاضي عن مجموعة من القواعد القانونية المنصوص عليها في دستور 2011، وفي مقدمتها أنها كان عليها أن تستشير المنظمات النقابية قبل الإقدام على هذا الإجراء حيث ينص الفصل الثامن من الدستور على ما يلي: “تعمل السلطات العمومية على تشجيع المفاوضة الجماعية، وعلى إبرام اتفاقيات الشغل الجماعية” ومن ثم فإن أي إجراء يهدف إلى المساس بالحقوق الأساسية للموظفين كان يجب أن يكون موضوع استشارة واسعة لممثلي هؤلاء الموظفين.

وفي نفس الإطار فإن الحكومة ما زالت إلى حدود هذه اللحظة تتغاضى عن مقتضيات الفصلين 39 و 40 من الدستور واللذان ينصان على التوالي على أن “الجميع يتحمل كل قدر استطاعته التكاليف العمومية، التي للقانون وحده إحداثها وتوزيعها”، حيث إنها بالرغم من إصدارها لمرسوم رقم 2.269.20 صادر في (16 مارس 2020) بإحداث حساب مرصد لأمور خصوصية يحمل اسم “الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا ” كوفيد – 19. فإنها لم تلزم جميع المواطنين كل على قدر استطاعته، بما في ذلك موظفي الدولة والجماعات الترابية في تحمل موارد هذا الصندوق. ومن ثم فإن الأمر بإيقاف جميع العمليات المتعلقة بأداء مستحقات ترقية موظفي الإدارات العمومية والجماعات الترابية برسم هذه السنة، هي عملية لم يتم التنصيص عليها قانونا ضمن التدابير الاحترازية والاستثنائية لموجهة جائحة فيروس كورنا المستجد، ويتنافى مع حق الموظفين في استيفاء أجرتهم كاملة غير منقوصة، باعتبار أن التعويضات العامة التي تتم بموجب الترقيات هي جزء لا يتجزأ من الراتب الذي يتقاضاه الموظف وذلك طبقا لما ينص عليه الفصل 26 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية. ولذلك فأي مساس بها يعتبر مسا بأهم الحقوق القانونية للموظف ألا وهو حقه في أجره الكامل طبقا لوضعيته الإدارية.

ومن جهة أخرى فإنه لا بد من التساؤل عن أسباب عدم استثناء موظفي الجماعات الترابية من التدابير الخاصة بتوقيف صرف مستحقات ترقياتهم. لأن الدولة، حتى ولو كان لها حق الرقابة على أعمال الجماعات الترابية، فإن هذه الرقابة يجب أن تبقى مقتصرة على مطابقة شرعية القرارات التي تتخذ من المجالس الجماعية أو من طرف رؤساءها، ولا يمكن أن تشمل بأي حال من الأحوال تقييد نفقات الجماعات الترابية، أو توجيهها إلى مجالات معينة إلا في إطار ما يسمح به القانون. حيث يرتكز تدبير الجماعات الترابية لشؤونها على مبدأ التدبير الحر، فضلا عن اعتبارها وحدات تتمتع بالشخصية الاعتبارية وبالاستقلال المالي والإداري (المادتان 2 و 3 من القانون التنظيمي للجماعات)، فحتى مساهمة الجماعات في صندوق تدبير جائحة كورونا، تعتبر تطوعية وليست إجبارية، إذ لم يصدر إلى حد تاريخه أي منشور يطالب الجماعات بتحويل جزء من اعتماداتها إلى الحساب الخصوصي المتعلق بهذا الصندوق.

وفي نفس الإطار لماذا لم يتم استثناء موظفي الجماعات الترابية من التدابير المتعلقة بتأجيل صرف مستحقاتهم المالية الناجمة عن ترقياتهم، أسوة بباقي موظفي الصحة العمومية، وموظفي الأمن الداخلي؟ ألا يقوم موظفو الجماعات الترابية بمهام مشابهة لهذين القطاعين الحيويين؟ حيث نجد أنه على مستوى الصحة العمومية تضطلع الجماعات طبقا لمقتضيات المادة 83 من القانون التنظيمي 113.14 بمجموعة من الاختصاصات التي تهم حفظ الصحة، ونقل المرضى والجرحى، ونقل الأموات، وطبقا للمادة 100 فهي تسهر على نظافة المساكن والطرق وتطهير قنوات الصرف الصحي، وتقوم باتخاذ التدابير اللازمة لتجنب أو مكافحة انتشار الأمراض الوبائية أو الخطيرة، ولا سيما على مستوى تعقيم عربات النقل العمومي والمؤسسات العمومية والخاصة، ورش المبيدات على بالأماكن التي تتواجد بها نواقل الأمراض (البعوض، الجرذان…) والقيام بعملة تطعيم الأشخاص المهددين بالإصابة بداء “السعار” كما أن الجماعات الترابية على مستوى حفظ الأمن تقوم بمجموعة من مهام شرطة الإدارية، على مستوى ضمان سلامة المرور بالطرق العمومية، ومراقبة المؤسسات المضرة والمزعجة والخطيرة، وتنظيم شرطة الجنائز، وغيرها من الاختصاصات. وبناء عليه نتساءل: على أي أساس استند رئيس الحكومة في عدم تصنيف موظفي الجماعات الترابية مع موظفي الصحة العمومية والأمن الداخلي من حيث استثنائهم من التدابير المنصوص عليها في منشوره الوزاري؟

وفي الأخير فإن ما يعاب على المنشور الوزاري المذكور، هو انعدام تعليله القانوني، حيث لم نجده يشير إلى أي مرجع قانوني، يسمح باتخاذ التدابير الواردة فيه، خاصة وأنها تدابير لها وقع مالي على شريحة كبيرة من الموظفين، كما أن تعليل الأسباب الداعية إلى اتخاذه ألا وهي تعبئة الموارد المالية لمواجهة أثار انتشار جائحة فيروس كورونا، يبقى تعليلا لا يستند على أساس قانوني أو واقعي، فهو من جهة لن يوفر مبالغ كبيرة للدولة، ومن جهة أخرى فهو لا يدخل ضمن قائمة الموارد المالية التي سيتم تعبئتها لفائدة صندوق تدبير هذه الجائحة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *