لمرابط يكتب: الجمعيات والنهوض بالتعليم الأولي بالمؤسسات العمومية بين أسباب الخمول ومحفزات التأهيل

د. خالد المرابط، رئيس جمعية آباء وأمهات وأولياء بإحدى المؤسسات العمومية

بعدما نشرت جريدة هسبرس مقالا بخصوص بعض النقط القاتمة حول ملف التعليم الأولي بالمؤسسات التعليمية العمومية، وجدت نفسي بصفتي فاعلا ومتتبعا، مضطرا لتسجيل جواب عنه، وسأبد بتوجيه رأي الكاتب والمهتم إلى أوجه القوة والمؤشرات الإيجابية والصاعدة حول هذا الورش المهم الذي اعتمد كأحد أهم مداخل إصلاح المنظومة التعليمية والتربوية ببلادنا.

فمنحى التعميم الذي سلكه كاتب هذا المقال هو توجيه سيل من الانتقادات اللاذعة للجمعيات المسيرة والسعي نحو تعميم بعض السلوكات عوض الاجتهاد في مداخل أخرى تزيح عنصر التشويش والتشويه عن هذا الملف، ولا شك أن هذا التعميم والتعتيم المفتقدين لقواعد الموضوعية استعملا كأدوات هدم وتبخيس لمشروع مازال يسعى لأخذه مكانه الطبيعي، وهو ما يوضح رغبة الكاتب في توجيه الثناء الضمني لباقي المؤسسات الخاصة المحتضنة لنفس النشاط، والتي لم يجرأ الكاتب على ذكر حجم الاغتناء والإثراء غير المشروع الذي تحققه على حساب طبقات مسحوقة ومهمشة.

وبداية، وبناء على المعاينة والتجربة الواقعية الملمة والتشخيص الميداني المطلع، أؤكد أن الأمر على عكس مما حرر بشأنه من أفكار غير دقيقة؛ فعلى الرغم من غياب إستراتيجية وطنية توضح قواعد ومنهجيته وآلياته الإجرائية، فمختلف المؤشرات الأولية المتعلقة بالتعليم الأولي تؤكد صعوده ومنحاه التصاعدي، خاصة بعد تقلص دَور عدد من المؤسسات الموازية القريبة التي كانت خدماتها في متناول الجميع، من قبيل « المسيد »، وفي ظل الانتشار العشوائي للعديد من دُور التعليم والرُوض المفتقدة للكفاءة وشروط التربية والتعليم.

ولعل رجوع التعليم الأولي إلى حضن المؤسسات العمومية بداية في المسار السليم، وليس العكس لكونها تظل الفضاء الأمثل لإنضاج مؤسسات تعليمية كفؤة ومدمجة منذ الصغر، والأهم أنها قادرة على استيعاب مختلف شرائح المجتمع المغربي.

بعد هذه التوطئة، وحتى نخطو على خطوات كاتب المقال ونقتفي أثر تصحيح هفواته سأضع محاور لكشف خفايا المنشور، والتي أجيزها كما يلي:

تمييز الجمعيات المحتضنة للتعليم الأولي
لابد من توضيح مسألة في غاية الأهمية، وهي أن الجمعيات المحتضنة لهذا الورش تتمايز وتختلف مجالات عملها وأهدافها، فهناك عدد من الجمعيات المحلية التي ملأت الفراغ التنظيمي المعاين ببعض المؤسسات التعليمية إذ تمت تغطية هذا النشاط بأكثر من مؤسسة من طرف جمعية محلية أو أكثر، وهناك جمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ التي تعتبر جمعيات شريكة ومؤهلة لتكون شريكا رئيسيا لهذه المؤسسات، لكونها ممثلة لفئة المستفيدين نفسها وليس من خارج هذا الفضاء.

فعدم إشارة الكاتب لهذا المعطى ينم عن قصور إحاطته ومستوى جهله بالموضوع، وهي أيضا محاولة منه لتعميم مكامن السوء في هذه التجربة الفتية. إذ كان حريا به أن يميط اللثام عن بعض الجمعيات المحتضنة التي وجدت نفسها أمام هذا الملف في غياب تام لعلاقات رابطة معه؛ سواء كانت مؤسساتية أو واقعية. فأغلب جمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ تجد نفسها في أمام مطلب ملح لتحقيق أهداف تربية أبنائها، ولا تدخر جهدا لتحقيق ذلك، وهي الأولى والسباقة للدعوة إلى بتأطير الجمعيات المحتضنة وتدقيق أهدافها، وتصحيح مسارها لتكون هيئات من وإلى المستفيدين ولصالح بلذات أكبادهم عوض أن تكون فرصة لإغتناء بعضها على حسابهم كما ورد في مقال الكاتب.

وفي جانب آخر، من الواجب إلى الإشارة إلى غياب هيئات موازية من قبيل جمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ بأغلب المؤسسات الخاصة، اللهم بعض المؤسسات التابعة للبعثات الأجنبية والمعروفة بشروطها البدئية والمجحفة في حق الآباء والأمهات، وهو ما يعني غياب محاور من جانب المستفيدين من هذه الخدمة الأساسية، وهو ما لا يخدم الشأن التربوي والتعليمي وضمان توازن الحقوق والواجبات بين أطراف هذه الخدمة.

الفراغ المؤسساتي المؤطر وضرورة استمرار الخدمة
لعل أولى المغالطات التي تمت الحديث عنها في المقال هو التضخيم والتفخيم الذين طالا مسألة مساهمة آباء وأمهات التلاميذ المستفيدين، ففي غياب إطار يوضح مسألة سير هذه الخدمات التي يجب أن تبتدئ مع بداية السنة الدراسية، وبين واجب التوازن بين مصاريف سير هذا المرفق المهم وبين قاعدة المجانية كما ورد في المقال، فرضت الضرورة للبحث في صيغ لبداية العمل به ووضعه في سكته العادية على غرار باقي المؤسسات الخصوصية التي تعنى بالتعليم الأولي، والتي لا تراعي محدودية المادية لأولياء أمور هؤلاء التلاميذ والتلميذات.

وفي هذا السياق، وعوض التذكير بغياب مداخيل حقيقية لتغطية الخدمات المقدمة لتلاميذ وتلميذات التعليم الأولي في القطاع العام، ولجوء جمعيات آباء وأمهات التلاميذ المستفيدين، وغيرها من الجمعيات المحتضنة، إلى صيغ رضائية لتغطية أهم النفقات المتعلقة بالسير العادي لهذا الورش، ومحاولة مجاراة النظم التعليمية الجاري بها العمل في القطاع الخاص، يرى الكاتب أن 70 درهم أو 100 درهم، إجحافا في حقهم على الرغم من أنها في أغلب المؤسسات قدمت بطلب من الآباء والأمهات للرقي والنهوض بالتعليم الأولي على غرار نظيره في التعليم الأولي الخصوصي.

كما أذكر بأن تأخر مبالغ الدعم الموجهة لهذه الخدمات، وعدم مجاراتها لبداية السنة المدرسية، ومحاولة من الجمعيات لتحقيق خدمات ذات جودة وبأقل التكاليف سعت العديد من الجمعيات إلى هذا الخيار، والذي تظل بدونه مقيدة ولا يمكنها البحث عن مربيات أو مساعدات في المستوى المطلوب، وبالكفاءات التعليمية المطلوبة.

صعود التعليم الأولي بالمؤسسات العمومية يحرج تواضع أداء بعض المؤسسات الخاصة
إن اطلاعي الشخصي بعدد من المعطيات الواقعية المتعلقة بالموضوع وخصوصياته بالقطاعين العام والخاص، وكذا حجم الأرق الذي أصبح يشكله نجاح وصعود التعليم الأولي بالقطاع العام لمدبري المؤسسات الخصوصية، هو ما دفعني للإدلاء بهكذا رأي. فمن واجبنا كآباء وأمهات وأولياء التلاميذ والتلميذات أن ندافع عن حق المدرسة العمومية في الرقي والنهوض لتكون قادرة على العناية بالفئات العمرية الصغيرة وأن تحظى بنفس الخدمات المقدمة في القطاع الخاص وذلك ابتداء من المرحلة التمهيدية المتمثلة في التعليم الأولي. كما من واجبنا أن نفكر بجدية في المساهمة في وضع إستراتيجية واضحة للتعليم الأولي كما ورد في تقرير الأخير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وأن نبصر نقط الضوء وأن نسارع لملئ الفراغات المؤسساتية عبر إشراك مختلف الفاعلين.

وببساطة وبكل موضوعية، أقول بأن من الواجب العناية بهذا الورش البالغ الأهمية، وأن نذكر بحجم الرهان عليه، لاسيما وأن انطلاقته كانت بتوجيهات ملكية سامية من صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، وباهتمام كبير وملم من السلطات الإدارية والحكومية المشرفة عليه، خاصة وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي.

وفي الأخير، وبصفتي رئيسا لجمعية آباء وأمهات وأولياء مدرسة عمومية، وبالمعاينة الواقعية للملف، رأينا حجم الأمل في عيون المستفيدين من هذا الورش الإصلاحي المهم؛ لكونه فتح باب التعليم الأولي في وجه ذوي الدخل المحدود والفئات الفقيرة والمهمشة، وإبعادها عن جشع المؤسسات التعليمية الخاصة، التي لا ترى في التلاميذ والتلميذات إلا الربح المادي اعتبار المستفيد من هذه الخدمة العمومية كمصدر اغتناء صريح ومقنن. ولا شك أنه مطلب يسير ولا يتطلب عدا استيعابا شاملا لجوانبه التأطيرية وإدراك جدواه والمساهمة في الدفاع عنه بروح وطنية واستماتة كبيرة لأن النهوض بالتعليم وحل مشاكله هو البداية الحقيقية لبناء نموذج تنموي ناجح ومستقل.

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *