لوموند بين وهج الماضي وفضيحة الحاضر

مرة أخرى تجد الصحافة الفرنسية نفسها في مرمى النقد، ليس بسبب تحقيق مهني محكم أو معطيات رصينة، ولكن نتيجة انزلاق خطير نحو خطاب سياسي مموّه بلبوس إعلامي. سلسلة المقالات التي نشرتها صحيفة لوموند حول المغرب، منذ 24 غشت الجاري، لا تكشف عن حرص على “التحقيق الصحفي”، بل تعكس ـ بوضوح ـ تحولا مؤسفا لمنبر كان يُعد يوما مرجعا دوليا، إلى مجرد أداة في لعبة إعلامية تستهدف المؤسسة الملكية، الركيزة الصلبة للأمة المغربية.

الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين عبّرت بوضوح عن هذا الانحراف، ووصفت تلك المواد بكونها “هجوما ممنهجا”، قائم على روايات مختلقة وخيال صحفي لا علاقة له بالمهنة ولا بأبسط معايير التحقق. الأدهى أن هذه السرديات لا تكتفي بالتشكيك في الملك محمد السادس، بل توظّف خطابا استعماريا قديما يروّج لأطروحة “نهاية حكم”، وهي عبارة لا توجد إلا في مخيلة من كتبها.

الوقائع هنا مهمة: صحافيون مهنيون مغاربة، مطلعون على مصادر قريبة من المؤسسة الملكية، نفوا بشكل قاطع ما أوردته لوموند. هذا يعني أن القضية ليست خلافا في التأويل أو زاوية معالجة، بل هي مواجهة بين خبر مؤسس على معطيات حقيقية، ورواية مفبركة أُخرجت لتخدم أجندة معادية.

الأسئلة تتناسل: لماذا الآن؟ ولمصلحة من إحياء أسطوانة “الانهيار”؟ الواقع أن تحسن العلاقات المغربية الفرنسية يزعج أطرافا في باريس لم تتخلّص بعد من أوهام الماضي. هؤلاء يعتقدون أن زعزعة صورة المؤسسة الملكية قد تكون ورقة للضغط على الرباط. لكنهم يخطئون الهدف مرتين: أولا لأن المغرب ليس في وارد الارتهان لأي ابتزاز، وثانيا لأن الصحافة المغربية لا تنجر إلى مهاجمة مؤسسات فرنسا انتقاما، بل تفضّل كشف الحقائق والدفاع عن الثوابت الوطنية بأدوات مهنية وأخلاقية.

المفارقة أن لوموند، وهي التي تتغنى بـ”الاستقلالية”، تجد نفسها اليوم في موقع المروّج للقيل والقال، بعدما فقدت بريقها كمنبر مرجعي. هنا لا نتحدث فقط عن مقالات ضعيفة البنية، بل عن وصمة عار ستظل تلاحق الصحيفة طويلا.

المغرب، في النهاية، لا يلتفت إلى هذه المناورات. مساره السياسي والاقتصادي والإقليمي ماضٍ إلى الأمام، وشرعيته متجذرة في تلاحم الشعب مع المؤسسة الملكية. أما “سيناريوهات النهاية” التي يكتبها البعض وراء المكاتب المكيفة في باريس، فهي لن تغيّر شيئا من واقع أن الملكية المغربية ستظل صخرة تتحطم عندها أوهام الخصوم.