محمد ولد الرشيد.. شعبوية مفضوحة ومحاولة فاشلة لتلميع صورة سياسية

بقلم: عبد القادر حبيب الله

في خطوة لا يمكن أن تُفهم إلا كعملية تجميل سياسية بامتياز، ظهر محمد ولد الرشيد، رئيس مجلس المستشارين، في صورة “البطل المتضحي” الذي ينسحب من جميع الامتيازات الرمزية في محاولة يائسة لتحسين صورته أمام الرأي العام. التخلي عن سيارة المجلس المخصصة له، وتنازله عن راتب الرئاسة وتعويضات السفر، ليس إلا تلاعباً رخيصاً يهدف إلى إظهار صورة القيادة “النظيفة”، لكنه في الحقيقة مجرد مسعى مكشوف للتهرب من أزمة حقيقية تعاني منها التنظيمات السياسية في البلاد.
إن هذه الخطوة لا تعكس سوى أن من يركب موجة الشعبوية لا يتعدى كونه لاعباً في حلبة سياسية ليس له فيها سوى الكلمة الظاهرة، بينما يظل غارقاً في التلاعب بالأدوات الشكلية. من يعتقد أن “التضحية” براتب وتعويضات سيساهم في تحسين كفاءة المؤسسات الدستورية أو إصلاح النظام التشريعي، إنما يغرق في أوهام شعبوية تستخف بعقول المغاربة.
لقد أثبتت التجارب أن الخطاب الشعبوي، الذي يقوم على استعراض المواقف الرمزية و”التضحيات” التي لا تمس جوهر الأزمة، لا يعدو كونه مسرحية سياسية بلا سيناريو، تُعرض على جمهور سياسي فاقد الثقة. هل يظن محمد ولد الرشيد فعلاً أن هذه الممارسات ستقنع المواطنين بأن رئيس مجلس المستشارين “أدى دوره” في الإصلاح، وأن “التخلي” عن السيارة والراتب الامتيازات يمكن أن يعوّض غياب العمل الجاد في تحسين أداء المؤسسة التشريعية؟
ومن المثير للسخرية أن هذا النوع من الخطوات يأتي من رجل أعمال يتربع على ثروة واسعة، لا يختلف عن غيره في “استثمار” منصبه السياسي لأغراض شخصية أو سياسية معينة. هل هذه “التضحيات” التي يتحدث عنها هي من أجل المصلحة العامة، أم أنها مجرد خطوة تكتيكية لإعادة تقديم نفسه كـ “المنقذ” أمام شعب غاضب يبحث عن أي بادرة أمل؟
الأخطر من ذلك، أن هذا التصرف يعكس عدم القدرة على الانخراط في الإصلاح الحقيقي. هو مجرد إشارة للمواطنين بأن العمل السياسي لا يتطلب شيئاً أكثر من إظهار المواقف البراقة، بينما تظل الأدوات السياسية الحقيقية مشلولة. أين هي المشاريع الإصلاحية التي من شأنها أن تجعل من مجلس المستشارين مؤسسة قادرة على تجسيد التغيير والتطوير التشريعي الذي يحتاجه المغرب في المرحلة المقبلة؟
إن الشعبوية ليست حلاً، بل هي على العكس جزء من المشكلة. اختزال السياسة في تقديم التضحيات الزائفة والظهور في صورة “المخلص” لن يعالج اختلالات النظام البرلماني، ولن يعزز مصداقية المؤسسة التشريعية. إن ما يحتاجه المغرب اليوم هو قيادة سياسية مسؤولة وقادرة على تقديم حلول حقيقية، لا على تقديم الوعود الزائفة التي تستهدف فقط استمالة الرأي العام دون التزام بالإصلاح الجذري.
إن مغامرة محمد ولد الرشيد، التي يظن البعض أنها “خطوة جريئة”، لا تعدو كونها محاولة فاشلة لشراء الوقت والظهور بمظهر الزاهد في الامتيازات، بينما يظل جوهر الأزمة السياسية بعيداً عن أي إصلاح حقيقي. على الجميع أن يفهم أن شعبوية اليوم لن تُخفي إخفاقات الغد.