تعيش وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة حالة من الغليان بعد قرارات الإعفاء التي طالت عددا من المدراء الإقليميين، وما تلاها من تعيينات أثارت جدلا واسعا حول مدى احترام معايير الكفاءة والاستحقاق في تدبير مناصب المسؤولية داخل القطاع.
واعتُبرت هذه القرارات من طرف العديد من الفاعلين في المجال التربوي والسياسي محاولة لإعادة رسم خارطة المسؤوليات وفق منطق الولاءات الحزبية، بدلًا من اعتماد معايير المردودية والنجاعة الإدارية، في سياق يبدو أنه جزء من مخطط سياسي أوسع لحزب التجمع الوطني للأحرار، الذي يرأسه رئيس الحكومة عزيز أخنوش، لبسط سيطرته على قطاع التعليم.
وأفاد مصدر موقع “هاشتاغ” أن الوزير محمد سعد برادة، الذي تم تعيينه على رأس الوزارة قادما من عالم صناعة “المصاصة” والحلويات والبناء، ماضٍ في تنفيذ خطة تستهدف إعادة هيكلة مناصب المسؤولية داخل قطاع التعليم عبر تعيين مسؤولين محسوبين على حزب التجمع الوطني للأحرار، وهو ما يطرح علامات استفهام كبيرة حول استقلالية هذا القطاع الحساس عن الحسابات السياسية.
وأوضح المصدر ذاته أن قرارات الإعفاء الأخيرة، التي شملت 17 مديرا إقليميا، لم تكن سوى البداية، إذ يُنتظر أن تمتد إلى مدراء الأكاديميات الجهوية، مما يعني إحكام السيطرة على مفاصل تدبير المنظومة التعليمية على المستوى الوطني، في خطوة وصفها متابعون بكونها “استراتيجية انتخابية مقنعة”.
وفي هذا السياق، أثار إعفاء المدير الإقليمي للتعليم بالناظور، محمد بنعالية، وتكليف صالح العبوضي، المنتمي لحزب الأحرار، مكانه، موجة من التساؤلات حول خلفيات هذا القرار الذي جاء بعد يوم واحد فقط من إنهاء مهام بنعالية. هذه السرعة في تعويض المسؤولين دفعت العديد من المتابعين إلى الاعتقاد بأن التغييرات تمت وفق مخطط سياسي مدروس يُراد منه تمكين “حزب أخنوش” من السيطرة على قطاع التربية والتعليم، لضمان تأثيره في واحدة من أكثر القطاعات حساسية لدى الرأي العام.
وأثارا قرارات الإعفاء المتلاحقة ردود فعل غاضبة وسط الأوساط النقابية والسياسية، التي اعتبرتها استغلالا لمؤسسات الدولة لخدمة أجندة حزبية ضيقة، خاصة أن بعض المسؤولين المعفيين لم يكونوا موضوع أي تفتيش إداري، مما يضعف مصداقية التبريرات التي قدمتها الوزارة.
وتفيد المعطيات التي يتوفر عليها موقع “هاشتاغ” بأن مجموعة من المسؤولين الذين تم إعفاؤهم يستعدون للطعن في هذه القرارات أمام القضاء، وسط مؤشرات على تصاعد المواجهة بين الوزارة والجهات المتضررة، والتي بدأت تبحث عن تنسيق سياسي واسع لمواجهة “المخطط الأخنوشي” الذي أصبح مكشوفا.
وفي ظل هذه الأجواء المشحونة، يبقى قطاع التربية الوطنية أمام تحديات كبرى، ليس فقط على مستوى تدبير الإصلاحات التي تهم المنظومة التعليمية، ولكن أيضا فيما يتعلق بضمان استقلالية القرار التربوي عن الحسابات السياسية الضيقة.