مساهمة في التحضير للمؤتمر الوطني الحادي عشر.. عقد اجتماعي جديد أكثر عدالة

عبد السلام المساوي

1_ التصالح مع الدولة

ان الحاجة إلى تأسيس الدولة والتدبير السياسي للدولة فرضته ضرورة إيجاد حلول للمشاكل التي تطرحها الطبيعة أمام الانسان . هذا الأخير مطالب ببناء الدولة للحفاظ على انسانيته ، لأنه بفعل الثقافة ( القوانين والدساتير والمؤسسات ) ، يستطيع ان يعوض ما لم تمنحه الطبيعة اياه ؛ فالسلوك والعلاقات الإنسانية هي نتائج اختبارات سياسية واعية .

ان الدولة مؤسسة سياسية أساسية للفرد والمجتمع ، فغاية وجودها هو الحفاظ على إنسانية الإنسان وتهذيب قدراته وامكاناته الطبيعية ، وتنظيم حياته الاجتماعية . فضلا عن الحفاظ على وحدة المجتمع وتوازنه بما يخدم مصالحها العامة . والدولة القادرة على الإستمرارية هي الدولة الشرعية التي تحاول إقرار الحق والمبنية على تعاقد اجتماعي ، ينظم الممارسة السياسية…

تعيد الأزمات الكبرى الدولة إلى عصرها الذهبي ، الى تلك الحالة التي تشكل حدا فاصلا بين حالة الطبيعة وحالة الثقافة ، وفي حالات الأوبئة ، حيث يسود منطق الغريزة ، يجد المواطنون حصن نظامهم وانتظامهم المنيع ، انهم يعودون للحالات الأولى للتعاقد ، تلك النظريات التي ارساها جون جاك روسو وغيره من فلاسفة الأنوار ، وحيث ذلك المنطق الحاسم ، اما الدولة أو الخراب …

ف” هوبس ” يرى أن الغاية من انشاء الدولة كمجتمع سياسي هي ضمان السلم المدني ومنع الحرب الدائمة بين الأفراد ، فالدولة ما هي إلا نتاج لميثاق تعاقدي بين البشر ، انتقلوا بموجبه من حالة الطبيعة ( حرب الكل ضد الكل ) الى حال المدنية ، وذلك من خلال تنازل كل فرد بمحض ارادته عن جزء من حريته الخاصة أو سلطته أو قوته لصالح رجل واحد أو مجلس واحد ، يخضع له كل أفراد المجتمع ، تضمن الأمن والسلم الاجتماعيين …ويرى اسبينوزا بأن الغاية من تأسيس الدولة هي تحقيق الحرية وتمكين كل مواطن من الحفاظ على حقه الطبيعي في الوجود باعتباره وجودا حرا ، دون الحاق الضرر بالغير ، وبالتالي فهذه الحرية التي يشير إليها ” باروخ ” هي حرية أخلاقية ، لا تتعارض مع العقل ، بحيث تبتعد عن الحاق الضرر بالاخرين ، كما تحرر الانسان من العنف والخوف …

وتتأسس مشروعية الدولة ، عند جون لوك ، على ضرورة حماية أمن الناس وسلامتهم وممتلكاتهم ( الحياة ، الحرية ، سلامة البدن ، الأرض ، النقود ، المنقولات …) ، وذلك انطلاقا من قوانين مفروضة بشكل متساو على الجميع ، وأي شخص يحاول انتهاك هذه القوانين ، يعاقب بتجريده من بعض او كل تلك الخيرات التي كان من المفروض أن يتمتع بها في ظل الحكم المدني …

ما نعيشه اليوم ، هو تلك العودة الوجدانية والفلسفية الى أصل نشوء الدولة كتعاقد اجتماعي ، الى وظائفها الكلاسيكية : الحفاظ على الحياة ، حفظ الصحة ، حماية الأمن ، توفير الغذاء …

عبر العالم صارت الدولة الفاعل السياسي الوحيد ، وتراجع فاعلو الظروف العادية الى الخلف . تبدو الدولة ، والحالة هذه مثل أم تخاف على أبنائها ؛ تنصحهم تارة ، وتوجههم تارة أخرى ، وحين لا ينضبطون للقرارات التي فيها مصلحتهم ومصلحة الجماعة ، تلجأ الى العنف المشروع ، الذي يتقبله الجميع كعنف مستحق …
ولا يقاوم المواطنون قرارات الدولة في مثل هذه الظروف ، بل يتعبؤون للدفاع عنها والترويج لها ، وأيضا مواجهة من يتمردون عليها …

وبعد ان كان الأفراد يتبرمون من الأساليب القهرية للدولة ويميلون غريزيا نحو التمرد عليها ، من منطلق غريزة الخوف ، برضى تام ، بل ان منهم من يطالب بالمزيد ، وتطبيق العقوبات الأكثر تشددا في حق من يرفضون الامتثال لأوامر السلطة القهرية الأكثر تقديرا وتحية هذه الأيام . فما يميز الدولة الحديثة _ في نظر ماكس فيبر – هو تلك العلاقة الوطيدة التي تقيمها مع العنف ، فهي وحدها التي تحتكر حق ممارسة العنف المشروع الذي لا يتنافى مع كونها تجمعا سياسيا وعقلانيا وقانونيا ، والذي به يتم ضمان الأمن والاستقرار الجماعيين وباقي الحقوق الأخرى . ان الترجمة الفعلية لمفهوم الحق على مستوى الدولة تتجلى في اضفاء الشرعية على ممارسة أي وسيلة عنف داخل ترابها ، ” يجب ان نتصور الدولة المعاصرة كتجمع بشري ، يطالب في حدود مجال ترابي معين بحقه في احتكار استخدام العنف المادي المشروع وذلك لفائدته ” . وقبل ماكس فيبر ، اعتبر كانط ان عنف الدولة ، كيف ما كانت درجته ، هو عنف مشروع ولا يجوز مواجهته بعنف غير مشروع ، لأن ذلك بدون معنى ونتائجه وخيمة . ويستند موقف كانط الى تصور معين للقانون ينظم العلاقات بين الحاكم والمحكومين ، وهو تصور يستبعد نهائيا ” كل قانون مزعوم لخرق القانون ” ويعتبره بدون معنى .
وها هو ” الجهاز القمعي ” للدولة ينزل الى الشوارع لارغام الناس على البقاء في بيوتهم ، الكل يصفق للاجراء المتشدد ، لا أحد يحتج او يشهر دفوعاته الشكلية ، لقد حولت غريزة المنازل الى ” سجون طوعية ” ، وصار ” الجهاز القمعي ” حارس الحياة والامن الفردي والجماعي . من كان يتصور أن يأتي يوم يصير فيه الاجبار على الحد من حرية التنقل خدمة عمومية يطلبها المجتمع ؟

ولم يسبق للدولة ان كانت مطاعة مثلما عليه اليوم ، بل ان انقلابا حادا وقع فيه الوجدان العام حيالها ، قبل عشر سنوات وبعدها بقليل ، كانت الدولة الأكثر إثارة لمشاعر الغضب منها والاحتجاج عليها ، لكنها اليوم تحوز كل الحب والتقدير المتاحين . ان الخوف وغريزة البقاء ، يعيدان صياغة الموقف من أساليبها القهرية ، وبعد أن كانت قساوتها مدانة ، صارت اليوم موضوعات شعبية متزايدة …

2_ تأسيس الدولة وتطورها
يقول الأستاذ إدريس لشكر : “ان مقومات الدولة الحديثة بالمغرب ، بدأت تتشكل مع استقلال المغرب ، حيث تعاقبت الحكومات ، وكان الهدف الأول هو التفاوض مع المستعمر وتحويل الإدارة الإستعمارية الى إدارة وطنية ، إلى غاية 1959 مع حكومة عبد الله ابراهيم ، التي يمكن اعتبارها هي المؤسسة للدولة المغربية ، والدولة الراعية ؛ حيث تم اعتماد العملة المغربية واستقلالية البنك المركزي ، فجيل الستينيات من القرن الماضي لا يزال يتذكر مساواة وتوحيد أبناء المغاربة في التعويضات العائلية ، وفتح عدد من المدارس التي مكنت أبناء المغرب من التعليم العمومي ، لكن ، للأسف ، هذه المشاريع الوطنية المتقدمة أجهضت كلها ، وتوقفت في منتصف السيتينيات ؛ وسيعيش المغرب سياسة التقويم الهيكلي ، ونعيش الأوضاع الصعبة ، ليصل المغرب الى حكومة التناوب ؛ هذه الأخيرة ستحقق الشيء الكثير في مجال الحماية الاجتماعية ؛ خاصة فيما يتعلق بالتغطية الصحية ، وتوسيع التقاعد ، وتوسيع الضمان الاجتماعي ….

أن مفهوم الدولة الحديثة التي ظهرت في القرنين 15 و 16 نتيجة صراعات فكرية واجتماعية عرفتها أوربا ، على أنماط حكم كانت سائدة من قبيل الاقطاع والبوروازية ، لتظهر بعدها الدولة _ المدينة في ايطاليا وفرنسا وألمانيا ثم بعد ذلك الدولة _ الأمة ، التي ساهمت في انفصال الدولة عن الكنيسة لتحل محلها الدولة المدنية ، من خلال تطور الفكر السياسي من ماكيافيلي وجان بودان الى لوك ومونتسكيو وروسو ….وظهور نظرية العقد الاجتماعي ، التي ستفرز لاحقا الدولة الراعية التي تقوم على مبادئ تكافؤ الفرص ، والتوزيع العادل للثروة ، والمسؤولية العامة تجاه من هم غير قادرين على ضمان الحد الأدنى للعيش الكريم …
في تسعينيات القرن الماضي _ يقول الأستاذ إدريس لشكر _ تعرض المشروع الاشتراكي لهجمة قوية من طرف الرأسمالية ، وسادت أطروحة قليل من السلطة للدولة وكثير من السلط لقوى السوق .

ولمواجهة المد العارم لليبرالية المتوحشة تمت صياغة ما اصطلح عليه بالطريق الثالث في عهد الحزب العمالي البريطاني ، الذي لخصه زعيمه آنذاك في مقولته الشهيرة ” ليس هناك سياسة يمينية ولا سياسة يسارية بل هناك سياسة جيدة وسياسة سيئة ” ، حيث توصي هذه المقاربة بحماية إجتماعية تحكمها البراغماتية والتحالف مع قوى السوق ، وفي هذه الظروف يمكن فهم السياسات ، التي طبقتها حكومة التناوب ، حيث ان المنجزات التي حققتها لم تكن مؤسسة دستوريا ولا مؤسسة قانونا حتى جاء الحراك ثم دستور 2011 ، الذي أورد مصطلح الاجتماعية على الملكية ، فلم تبق ملكية دستورية برلمانية ، حيث زادتها ملكية دستورية برلمانية إجتماعية ، في مادته 31 ، الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات المحلية تتقاسم أعباء الحماية الاجتماعية بينها ، كذلك نجد أن المادة 33 تربط الحديث بين الشباب والحماية الاجتماعية ، والمادة 35 نجدها تتحدث عن كون الملكية ليست حقا مطلقا ، وهو كذلك مدخل للحماية الاجتماعية ، والمادة 42 نجدها تؤكد أن الملك هو الساهر على حقوق وواجبات المواطنات والمواطنين ، وهذه الحقوق تندرج في سياق الحقوق الاجتماعية ، وبالتالي فإن دستور 2011 يشدد على الحقوق الاجتماعية في عدد من المواد الواردة فيه .

3_حكومة التناوب والتأسيس لدولة الحق والقانون

لقد عمل الاتحاد الاشتراكي على تأصيل المفاهيم وزرعها بذكاء في أرض المغرب ، فعندما يتحدث ،مثلا ، عن دولة الحق والقانون ، فهو يعني بأن هذا المفهوم ليس شعارا يرفع او كلاما للاستهلاك ، بل هو ممارسة وسلوك ، لذلك ناضل الاتحاد الاشتراكي وعمل على نقل هذا المفهوم من مستوى التنظير الى مستوى الفعل ، فمع أواخر حكومة التناوب ، قدم الاستاذ عبد الرحمان اليوسفي حصيلة العمل الحكومي للمرحلة التي قاد فيها الوزارة الأولى ، ويكفي أن نلقي نظرة موجزة عن المحاور الستة لحصيلته لنتأكد من صدق النظرية والتطبيق وتكاملهما في الخطاب الاتحادي ؛
– ترسيخ حقوق الإنسان وتخليق الحياة العامة ؛
– إصلاح النظام التربوي وتكافؤ الفرص امام التربية والتكوين ؛
-التنمية والاستثمار وانعاش الشغل ؛
– التنمية الاجتماعية والتضامن ؛
– عقلنة تدبير الشأن العام ؛
– تنشيط العمل الديبلوماسي ؛

انها محاور تدل بوضوح على أن الهاجس الأساسي يتمثل في إرساء دعائم دولة الحق والقانون ، وإدخال قواعد جديدة في مجال تسيير الشأن العام ، سواء على المستوى الداخلي او الخارجي .

لقد انطلقت حكومة التناوب من أولويات عامة كانت توجه عملها ؛ انجاح الانتقال الديموقراطي ، انجاح انتقال للغرش ، اعادة هيكلة مؤسسات تسيير الشان العام ،احداث قطيعة مع التجارب السلبية السابقة ، القضاء على الموروثات السلبية …لنلاحظ ان الامر لا يتعلق ببرامج محددة او قصيرة المدى ، ولكن ببرنامج شامل يغلب عليه الطابع السياسي .

لقد كان واضحا منذ البداية ان مهمة حكومة التناوب لم تكن تتعلق بالملفات الصغرى ، ولكن اساسا بوضع البلاد في سكة جديدة .

ان الوزير الأول عبد الرحمان اليوسفي ، هنا ، كان يدشن للعمل التنموي من خلال المدخل السياسي ، المعتمد على إيلاء مكانة خاصة لدولة الحق والقانون وللانسان باعتباره المحور الأساس لكل إصلاح اجتماعي او اقتصادي او سياسي . وهكذا تم فتح ورش متعددالجوانب في مجال الحريات العامة والفردية واصلاح العدل ، والعلاقة بين الإدارة والمواطن ، وتمجيد القضاء من خلال تنفيذ الأحكام وفرض احترامها من الفرد والدولة على السواء ، وفي مجال النهوض بشؤون المرأة ، وحماية حقوق الطفل ، والحد من الفوارق الاجتماعية ومحاربة الفقر ، وفي مجال تخليق الحياة العامة ، ومحاربة الفساد و الرشوة .

وهكذا يتبين وبالملموس ، ان الاتحاد الاشتراكي ، عندما يرفع شعارا او ينتج مفهوما او يطرح برنامجا سياسيا ، فليس بغرض التغليط والتمويه ، الضجيج والبهرجة ، وليس بغرض دغدغة عواطف الجمهور والسيطرة على مشاعره وكسب أصواته ….

ان مفاهيم الاتحاد الاشتراكي مفاهيم نابعة من وعي نظري عميق وقابلة لتجريب عملي مسؤول ….من هنا كانت هذه المفاهيم ، وفي كل مرة ، ثورة في حقل سياسي يطغى عليه العقم والجمود ، الاجترار والرتابة …

4_ وجه جديد للمغرب والمغاربة أخذ في التشكل

يقول الأستاذ إدريس لشكر في الأرضية التوجيهية ” ان الخطة الوطنية المتعددة الأبعاد والتي انخرط فيها الجميع منذ اليوم الأول لم تكن لتتحقق على أرض الواقع لولا التدخل المسؤول للدولة وثقة المواطن في المؤسسات الوطنية ، انه التناغم بين الدولة بمختلف مؤسساتها وسلطتها التنفيذية والتشريعية والقضائية التي تحمي حياة ومصالح مواطنيها ، والمجتمع الذي يلتزم بقرارات واجراءات مؤسساته .
يجب الحفاظ على هذه اللحمة وحمايتها من اي تشويش لأننا أمام فرصة تاريخية قل ما تتاح للأمم ، فرصة إعادة البناء على أسس سليمة ، فرصة ترسيخ المكتسبات وتقوية الخصوصية المغربية . فنحن أمة واحدة متعددة الروافد ….ما نحتاجه اليوم هو كتلة وطنية بيمينها ووسطها ويسارها ؛ كتلة وطنية بقيادة جلالة الملك ، كتلة وطنية تنخرط بوعي ومسؤولية ، تنخرط موحدة لمواجهة هذه الجائحة التي تهدد الوطن والمواطن …

فما حدث بالمغرب هو استجماع الوعي السياسي سواء من طرف جميع النخب ، الثقافية والسياسية والاجتماعية . بدأ الوعي الجماعي يتشكل والتواصل بين مختلف أشكال الوعي ، وهذا ستكون له انعكاسات إيجابية على التجربة التاريخية المقبلة على مستوى التعاون السياسي ، والتعاون بين النخب ، والتعاون الثقافي والعلمي لأن صداه التاريخي سيكون ايجابيا فالخطر يوحد ويبلسم الجراح .
الصراعات السياسية تترك اثارا وجروحا وتجعل الأحقاد السياسية والاجتماعية تتراكم ، وهذا طبيعي حين يحدث في فترات السلم العام ، لكن في لحظات الخطر والتهديد ، الجميع يلين مطالبه واحتجاجاته وتقييماته السلبية .

المغرب اليوم أظهر ، وفي لحظات سابقة ، أنه يمكن في لحظات معينة ، أن يتلاءم فيه الوعي الاجتماعي والسياسي لتقديم المصلحة الجماعية على المصالح الفردية .

يمكن القول ان مفعول الحدث الصادم سيكون مبلسما للوعي التاريخي المغربي نحو مزيد من التفاعل ، ونحو مزيد من عقد اجتماعي أكثر عدالة وأكثر تسامحا وانفتاحا .

انه أول امتحان حقيقي يمر منه المغرب في العهدالحالي . هناك هبة حقيقية اذا تم استغلالها على الوجه الأصح فيمكن أن تعيد الثقة للمغاربة ، لأن هذا الإجماع على انقاذ المغاربة والمغرب قد يكون ، في حال الاستفادة منه ، بداية اقلاع حقيقي نحو البناء . فما كان ينقص حتى الان هو هذا الانخراط في المسؤولية الجماعية . كيف يمكن تحويل كل هذا الى مشروع مجتمعي ؟ بما أننا في زمن الجائحة يمكن التفكير مليا في ما يمكن ان نمنحه لهذا البلد…

ان المغرب اليوم في محك حقيقي ، أثبتنا فيه بالفعل أننا دولة قوية تحترم المؤسسات سواء في صيغتها الدستورية أو القانونية ، وأن عملية تنزيل وتطبيق الحجر الصحي كانت نموذجا واضحا في الثقة ، ودليلا على أن هناك تجاوبا مطلقا ما بين ” المؤسسات ومكونات المجتمع المغربي …

يقول الأستاذ إدريس لشكر في الأرضية التوجيهية ” كاشتراكيين ديموقراطيين ، جعلنا شعار مشروع النموذج التنموي الجديد لحزبنا الذي أعلننا عنه بعد مشاورات ومداولات داخلية في ندوة دولية في أبريل 2018 : ” دولة قوية عادلة ومجتمع حداثي متضامن ” . واليوم وبلادنا على المحك ، يعي الجميع معنى الدولة القوية العادلة : دولة ذات مصداقية تحرص على تحمل مسؤولياتها والوفاء بالتزاماتها ومهامها كيفما كانت كانت الظروف . ويعي الجميع معنى المجتمع الحداثي المتضامن : فئات مجتمعية متضامنة فيما بينها بغض النظر عن انتمائها الطبقي او الفئوي او الجغرافي أو النوعي .”

ويقول الأستاذ إدريس لشكر في ذات الأرضية ” فمع البدايات الأولى لانتشار جائحة ” كورونا ” ، جسدت الدولة المغربية بقيادة جلالة الملك طابعها الاجتماعي أكثر من أي وقت مضى ، وبشكل جعل بلادنا مضرب الأمثال في مختلف أقطار العالم .

لقد كان للمبادرات الملكية عظيم الأثر في تجنيب بلادنا مأس غير محسوبة العواقب . فقد تفاعلت الدولة المغربية مع تقارير المنظمات الدولية ( منظمة الصحة العالمية ، صندوق النقد الدولي ، البنك الدولي ، منظمة الأمم المتحدة ) بكل عقلانية ورصانة ، فتوالت المبادرات الملكية بقيام جلالة الملك باستعمال كل ما منحه الدستور من صلاحيات ، سواء على مستوى إمارة المؤمنين ، أو رئاسة الدولة ، او القيادة العامة للقوات المسلحة الملكية ، لاطلاق المبادرات اللازمة للحد من انتشار الفيروس ، الشيء الذي سهل انخراط كل مكونات المجتمع لمكافحة هذا الداء والحد من تبعاته ، كل من موقعه .

لقد اختارت الدولة المغربية الانسان على أي شيء آخر .

ولنا ان نفخر بقرار انشاء ” الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا كوفيد _19 ” لتغطية النفقات الطبية ، وتاهيل الاليات والوسائل الصحية ، ودعم القدرة الشرائية للأسر ، ومساعدة القطاعات الاقتصادية المتضررة والحفاظ على مناصب الشغل . صندوق فاقت مداخيله كل التوقعات ، حيث تجاوزت 33 مليار درهم ( 3 في المائة من النتاج الداخلي الاجمالي ) ، بفعل الحس الراقي المتضامن الذي ابانت عنه كل مكونات الشعب المغربي ، كما أحدثت ” لجنة اليقظة الاقتصادية ” لمواكبة انعكاسات الوباء والمبادرة بالاجراءات اللازمة لمعالجتها .”

من بين حسنات فيروس ” كورونا ” أنه اعادت للمغاربة الثقة في الدولة ، فالمغاربة تأكدوا أن هناك دولة تحميهم ، بعدما لاحظوا أن المغرب نجح الى حد كبير في تدبير الأزمة ، كما لاحظوا أن الملك محمد السادس اتخذ قرارات هامة تهدف إلى حماية من فقدوا وظيفتهم ، قرارات ستحمي الشركات التي قد يتعرض بعضها للافلاس بعد الشلل الاقتصادي الذي أصاب عددا من دول العالم ، ومن المؤكد انه أصاب الاقتصاد المغربي أيضا .

المغاربة فهموا أيضا بعد أزمة ” كورونا ” الدور الكبير الذي تلعبه المؤسسات ، ولو بامكانياتها البسيطة ، وأن دور الدولة ليس هو فقط تحصيل الضرائب من جيوب المواطن البسيط والفقير ، ولكن أن تقف الى جانبه أيضا في وقت الأزمات .

المغاربة عرفوا أيضا الأدوار التي يقوم بها الأمن في التوعية والتحسيس وحماية حياة المواطنين ، كما عرفوا أن المغرب يمكنه أن يكون مستقلا عن الدول الأوروبية في تدبير شؤونه الخاصة ، وفي حماية مواطنيه وأنظمته على حد سواء ، فلا مجال لأي جهة خارجية اليوم ان تزايد علينا . صحيح ان وسائل المغاربة وامكانياتهم بسيطة ، لكن الدولة بمؤسساتها وشعبها نجحت في كل الأحوال في تدبير الأزمة ، بقدر المستطاع.

اليوم الدولة أظهرت دورها كدولة رعاية وكمؤسسة تمثل وعي وضمير ومسؤولية المجتمع ، وهي في موقع القيادة ولهذا ظهر وجهها الاخر….
وهنا لا يمكن ان ننسى المجتمع الذي برزت فيه مظاهر جديدة من التضامن والقيم التي كانت تتضاءل من قبل . لقد اكتشف المغاربة الجانب الايجابي في بعضهم البعض ، من خلال العديد من تمظهرات قيم التضامن على كافة المستويات.
اليوم برزت قيم التضامن بسخاء ، وهذا شيء جميل تذكر به لحظات ، هذه طبيعة التاريخ ، كثيرا ما يقلب ظهر المجن ، ويظهر لنا وجوها مختلفة حسب الظروف .

اليوم هناك استجابة المجتمع والدولة والأفراد ، وهنا وجه جديد للمغرب وللمغاربة أخذ في التشكل وان كانت كل التحولات تتم ببطء وتتشكل تدريجيا ، أعتقد أن هذه المسألة ستغني الوعي التاريخي المغربي ، وستجعل المغربي يفصل ويميز بين أبعاد الصراع وأبعاد التضامن ، يمكن أن نسميها ” الأبعاد الإيجابية ” .
اليوم التاريخ يتيح ازدهار وتنامي وتطور هذه الأبعاد الإيجابية الكامنة في عمق الكائن البشري .

وهنا نذكر بما جاء في المذكرة التي قدمها الاتحاد الاشتراكي للجنة النموذج التنموي الجديد ، والتي كانت بعنوان ” دولة قوية عادلة ومجتمع حداثي متضامن ” ؛ “ولعل أهم استخلاص يمكن الوقوف عنده يرتبط بالرؤى والاليات العامة المعتمدة في تفعيل المشروع التنموي على أوسع نطاق ، وخاصة على مستوى تحديد مهام وإدوار الدولة في المسار التنموي الشامل . وهنا ، لا بد من الاشارة الى منظورنا لدور الدولة التي لا نريدها وفق مبادئنا الاشتراكية المعارض لفكرة تحطيم الدولة ، ان تكون ” جهازا حارسا ” يسمح للصراع الاجتماعي واقتصاد السوق بالتحكم في مصير البلاد . فالدولة التي نريد غير محايدة تقوم بدور تحفيزي واجتماعي لصالح الفئات الاجتماعية الأكثر تضررا في المجتمع من خلال توفير شروط العيش الكريم والحماية الاجتماعية العادلة والمنصفة . اننا مع الدولة الداعمة للتخفيف من حدة اثار العولمة في انتاج المزيد من الفقر والهشاشة في ظل غياب تنافسية الاقتصاد الوطني القادرة على تحقيق التوازن الاجتماعي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *