عبد السلام المساوي
في اللقاء الذي جمع لجنة شكيب بنموسى بوفد من حزب الاتحاد الاشتراكي ، صبيحةيوم الثلاثاء 22 أكتوبر 2020 ، يقول الأستاذ إدريس لشكر الكاتب الأول للحزب ” ان اللقاء الثاني مع لجنة النموذج التنموي يختلف في الطبيعة وفي التوقيت ودرجة الأهمية عن سابقه الذي عقد قبل الجائحة “.
ويقول ” الاتحاد من القوى السباقة الى تقديم مشروعه ، مباشرة بعد أعلن جلالة الملك عن ضرورة صياغة نموذج تنموي جديد ، تحت عنوان كبير أكدته تطورات الواقع ، هو ” دولة قوية وعادلة ، ومجتمع متضامن وحداثي ” ، وذلك بفضل تاريخه والسياسي والفكري والاقتصادي وحضوره في كل التغيرات التي تطال المغرب والعالم عموما “
المرجعية الفكرية والسياسية
” ليس من حل الا ان نعيش زماننا وأن نتوجه نحو المستقبل ”
” ان الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يعتبر ان عملية صياغة نموذج تنموي جديد تقتضي استخلاص الدروس من الانعكاسات السلبية المترتبة عن نظام العولمة والأزمات الاقتصادية الكبرى الناتجة عن السياسات المحافظة ، والتي أدت الى اغتناء فئات تمثل الأقلية ، بينما زاد فقر الأغلبية ، بما فيها الطبقات الوسطى ، التي كلما توسعت كلما ازدهرت الديموقراطية وتحسنت الأوضاع ، وكلما ضعفت ، كلما تقلصت مساحة البناء الديموقراطي وتطورت الهشاشة بكل سلبيتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية .”
” …وعلى هذا الأساس وانسجاما مع مبادئ الاشتراكية الديموقراطية ، تتعلق المحددات الكبرى المؤطرة للنموذج التنموي البديل والناجع بالجاذبية الاستثمارية والعدالة الترابية والتضامن الاجتماعي….”
” ان التصور الذي نقترحه لارساء نموذج تنموي جديد ، من موقعنا كحزب تقدمي حداثي ينتصر لمبادئ وقيم الحرية والعدالة والمساواة والتضامن …”
الفضاء العقلي والانساني للاشتراكية والحداثة
يومن الاتحاد الاشتراكي بأن الاشتراكية الديموقراطية هي البديل الضروري لمعالجة الاختلالات الاجتماعية ، وإحدى مداخل الحداثة واستدراك التأخر التاريخي ، فالاشتراكية ترتبط بالفضاء العقلي للحداثة ، ومن هنا ، امن الاتحاد الاشتراكي ، بضرورة تحيين الاشتراكية كمثال بفك ارتباطها بنماذج معينة وبالحفاظ على الشحنة الفكرية التي قامت عليها ، أي التشبث بالارضية الحداثية الثقافية للاشتراكية وخلفياتها الفلسفية الانوارية …
لقد اقتنع الاتحاد الاشتراكي ان كل معاودة للاشتراكية كمنظومة ايديولوجية تطرح الانتماء إلى الحركة التاريخية للاشتراكية لا الى رمز من رموزها او نموذج من نماذجها ، وهذا يقتضي إدماج الثقافة الليبرالية والديموقراطية السياسية ضمن المنظومة الاشتراكية ، والاعتراف بالسوق في إطار تحقيق العدالة الاجتماعية والقبول بالعولمة …ان اشتراكية قائمة على المحاسبة وعلى المعرفة بالمعطيات لعصرنا بامكانها ان تخفف من الآثار السلبية للعولمة ( التفقير، تهديد الديموقراطية ، سيادة المال والثقافة البرصوية…) الاشتراكية مشروع يتطلب جهدا وصراعا في البناء والتقويم لتجنيب المجتمع الانكسار والانفصام …ولأجل انسنة السوق وتخليقه ، فالاشتراكية مطالبة امام انبعاث الرأسمالية من أزماتها ، ان تتوسل بمعرفة بالمعطيات المستجدة وان تتشبع بأخلاق اقتصادية وثقافية إنسانية…
يقول الكاتب الاول للاتحاد الاشتراكي ذ لشكر ( اذا كنا في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية قد حسمنا منذ عقود خلت في سؤال هويتنا ، واعتبرنا اننا حزب يساري وطني ، واشتراكي ديموقراطي ، يتميز بتنوع روافده التأسيسية ، ويجسد استمرارا لحركة التحرير الشعبية ، فإننا في نفس الان ، كنا نعود من حين لآخر في بعض محطاتنا التنظيمية وكلما دعت الضرورة الى ذلك ، من أجل تدقيق بعض الجوانب المتعلقة بهويتنا السياسية ، ولتفويت الفرصة ايضا على بعض محاولات التشويش ، والتعتيم ، وخلط الأوراق في المشهد الحزبي ببلادنا .”
الاتحاد الاشتراكي ليس قفزة فراغ
الاتحاد الاشتراكي قوة دفع تقدمية ، يسارية اجتماعية – ديموقراطية تروم اصلاح وتطوير الأوضاع ، والمساهمة في رسم خطوط المستقبل ، ومناط تحول في المجالات كافة ، السياسية والمؤسساتية والاجتماعية والثقافية….
واذا كان الاتحاد الاشتراكي أداة اصلاح وتغيير في الحاضر ومناط تطوير وتحديث في المستقبل ، فان قدراته السياسية والفكرية على التكيف والرؤية البعيدة ، ومؤهلاته النضالية والميدانية ، لتجعل منه قوة فاعلة في حاضر البلاد ومستقبلها ، كما كان وقود نضال وتغيير في الماضي البعيد والقريب .
الاتحاد الاشتراكي هو القوة المجتمعية الأكثر فعالية.
ان الاتحاد الاشتراكي هو القوة المجتمعية الأكثر انفتاحا وتأهلا للمساهمة بفعالية ، في انجاز الاوراش الاصلاحية ، على قاعدة الجدلية الحية القائمة بين الاصلاح والاستقرار ، في اطار مجتمع متماسك ، متضامن ومتطور…
وفي هذا السياق الذي تحكمه ارادة المبادرة ، لا انهزامية الانكفاء ، تندرج جملة من الاقتراحات التي يطرحها الاتحاد الاشتراكي؛ في مجالات حيوية لصيقة بمعيش افراد الشعب ، سواء في المجال الاجتماعي او في المجال السياسي والمؤسساتي …
ولسنا في حاجة الى تذكير دعاة التشكيك في القدرة اللامحدودة للاتحاد الاشتراكي على احتواء وتجاوز كل الكبوات النضالية ، عبر مساره النضالي الطويل ، وعلى كفاءته العالية في التكيف الايجابي والمنتج ، مع حقائق البلاد ، ومع مستجدات محيطها القريب والبعيد…
ان الاتحاد الاشتراكي الوفي لتاريخه الوطني ، المتشبع بهويته التقدمية ، المستند إلى جذوره الاجتماعية – الشعبية ، ليشكل في عالم اليوم قوة سياسية ، حداثية ، تنخرط بوعي ومسؤولية في المساهمة في صنع مستقبل البلاد ، عبر مراهنتها المتبصرة ، السياسية والتنظيمية ، على دور الشباب ، ودور المرأة ، ودور الاطر الوطنية ، ودور القوى المنتجة في البلاد في استيعاب ، التحولات الإنتاجية الجارية ، واستدماج الثورات التكنولوجية المتواصلة..
المرأة عنوان الحداثة
” ان المشروع الذي يطمح اليه المغرب المعاصر ومغرب الغد ، من وجهة نظرنا السياسية ، يتمثل في اقامة مجتمع ديموقراطي ومتوازن يتسع لجميع الطاقات للمساهمة في ارساء النموذج التنموي الجديد . وهو ما يقتضي ترسيخ منظومة متماسكة أساسها المناصفة والمساواة والكرامة الانسانية من أجل محاربة الاقصاء والتهميش وضمان الاشراك الفعلي لمختلف الفئات الاجتماعية في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية .
ان الاتحاد الاشتراكي يؤكد على ضرورة التأويل المنفتح والحداثي للمقتضيات والقوانين المؤطرة لمجتمع المساواة والمناصفة وتكافؤ فرص بوصفه الاطار المجتمعي المتسع للجميع والضامن لكرامة بناته وأبنائه . وينبغي ، في هذا الصدد ، تعزيز المسار الذي اختاره المغرب حيث استطاع ، خلال العقدين الأخيرين ، ان يجعل من قضايا النهوض بأوضاع النساء جزء لا يتجزأ من المشروع المجتمعي الشامل المتعلق بالاصلاح والمصالحة حيث تحققت مجموعة من المكتسبات الهامة التي بوأت المرأة مكانة متميزة في الفضاء العمومي . وقد تم تتويج هذا المسار النضالي باعتماد الوثيقة الدستورية ذات المقتضيات الأساسية ، وخاصة الفصل 19 ، اذ تم التنصيص على ضرورة تحقيق المساواة بين الرجال والنساء في جميع المجالات .
وعليه ، ليس من حل الا ان نعيش زماننا وان نتوجه نحو المستقبل بمساهمة كاملة من المرأة التي ينبغي ان تتبوأ قائمة الأولويات في النموذج التنموي الجديد …” ف ” التنمية رهينة بتحريك الثلث المعطل : الشباب والنساء “
الاشتراكية الديموقراطية ؛ حس المبادرة وروح الخلق
في كل منعطف كان الاشتراكيون حاضرين وكانت شعاراتهم تجد صداها العميق عند القوى المرشحة لاحتلال الصدارة في مجتمع التغيير والإنتاج : تشددهم فيما يتعلق بالحريات العامة ، استنكارهم العنيف لكل ما يمس كرامة الفرد …الدفاع المستميت عن دولة المؤسسات الضامنة للعدالة والمواطنة …ولأن هذه المواقف كانت تغذي الحقل السياسي في مجمله ، فان الاشتراكيين لم يكونوا دوما وابدأ في المعارضة ، ولكن أيضا في سدة الحكم كلما دفعتهم صناديق الاقتراع الى ذلك ، أو تحالفات مدروسة مسبقا في إطار استراتيجية محددة سلفا …هنا قوتهم الحقة وسر تقدمهم واختراقهم الصفوف …لقد كانوا يعلمون علم اليقين أن البرامج مهما كانت لامعة ومجندة وملهمة ، فإنها اذا ظلت حبيسة مظاهرات ولافتات وهتافات ، فإنها لا تلبث أن تذبل فاسحة المجال لسياسة الخصم وديماغوجية الخصم …
قد يقول قائل ماذا تبقى من الفكرة الاشتراكية امام كل التنازلات التي قدمتها لليبيرالية ؟ اقول : تبقى فكرة الديموقراطية في بعدها الاجتماعي الحمائي ، يبقى التشبث بالدولة الحاضنة والحامية للاختلاف والمساواة ، يبقى التشبث بفكرة اقتصاد السوق أداة إغناء للمجتمع لا وسيلة احتكار واغناء كمشة من الطفيليين والاحتكاريين ، يبقى الدفاع عن علاقات متميزة مع العالم الثالث ، تبقى الحرب العشواء ضد الدكتاتوريات والحروب الاجرامية التي تمارس في حق الانسانية …
ان الاشتراكية قبل كل شيء فلسفة سياسية تزوجت مطامح اجتماعية وتاريخية …انها مناضلين ومفكرين واحزاب سياسية ومعركة طويلة الأمد والنفس ….ان اشتراكية الأمس ليست قطعا اشتراكية اليوم وهذه لن تكون بتاتا اشتراكية الغد….
ان الفكرة الاشتراكية في المعارضة ليست هي قطعا نفسها في السلطة ، انها في المعارضة ذات بعد فاتن مجند ، لكنها في السلطة ذات بعد باهت متهافت متاكل ، ولكن العيب ليس في الفكرة ، ولكن في فصل حس المبادرة وروح الخلق عن الفكرة ، ذلك أن هذه العوامل هي الطاقة المغذية للفكرة التي لا تجد اشعاعها في تسيير الروتين اليومي ، ولكن في ارتباطها الدائم بحلم الانسان ، بمعنى مشروع حضاري دائم التجدد ، دائم الافتتان ..
ان الاشتراكية الديموقراطية لم تكسب معركة وكفى ، ولكنها كسبت حربا عمرت طويلا انطلقت مع الثورة الفرنسية ؛ لقد كسبت معركة حقوق الإنسان ومعركة المواطنة ومعركة الديموقراطية ….ان الأمر يتعلق بارث حضاري ومجموعة قيم ذات طابع سياسي مؤسساتي تربوي وأخلاقي ، وهذا الإرث لا يجب اليوم ان يكون إرثا ثقيلا ولا إنجازا للاستعراض ، ولكن الهاما لمواجهة مشاكل ذات طابع جديد كل الجدة …انها الانفجارات البورصوية وعواقبها على الاقتصاد الوطني …انها كيفية الحفاظ على الدولة الحاضنة لا بتقويتها ، ولكن بإصلاح مكانزمات تدخلها مع ما يتلاءم وحرية المبادرة والسوق …انها كيفية إدماج المهاجرين ثقافيا واجتماعيا …انها نوعية العلاقات الجديدة مع بلدان العالم الثالث وكيفية انتشالها من وحل تخلفها وبؤسها حتى تكون كفؤا في اقتصاد عالمي متكافئ …الخ …ان هذه الاسئلة ببعدها التقني والثقافي وهمومها الانسانية تسير بما لا يدع مجالا للشك لاهتمامات ذات رهافة محلية وكونية حاضرا ومستقبلا…
– الدولة التي نريد
“ولعل أهم استخلاص يمكن الوقوف عنده يرتبط بالرؤى والاليات العامة المعتمدة في تفعيل المشروع التنموي على أوسع نطاق ، وخاصة على مستوى تحديد مهام وإدوار الدولة في المسار التنموي الشامل . وهنا ، لا بد من الاشارة الى منظورنا لدور الدولة التي لا نريدها وفق مبادئنا الاشتراكية وموقفنا المعارض لفكرة تحطيم الدولة ، ان تكون ” جهازا حارسا ” يسمح للصراع الاجتماعي واقتصاد السوق بالتحكم في مصير البلاد . فالدولة التي نريد غير محايدة تقوم بدور تحفيزي واجتماعي لصالح الفئات الاجتماعية الأكثر تضررا في المجتمع من خلال توفير شروط العيش الكريم والحماية الاجتماعية العادلة والمنصفة . اننا مع الدولة الداعمة للتخفيف من حدة اثار العولمة في انتاج المزيد من الفقر والهشاشة في ظل غياب تنافسية الاقتصاد الوطني القادرة على تحقيق التوازن الاجتماعي ”
المغرب الذي نريد
” يتعلق التصور الشامل الذي يستعرضه حزب الاتحاده الاشتراكي للقوات الشعبية في هذه الوثيقة برؤيته السياسية لكيفية تجاوز الارهاق الذي أصاب النموذج التنموي القائم اذ بلغ مداه ولم يعد قادرا على مواكبة التطورات الملحة للمواطنات والمواطنين . فلم يعد بالامكان الارتقاء بالمنظومة التنموية لبلادنا امام استمرار بعض أشكال الريع والاحتكار والفساد من جهة ، واتساع الفوارق الاجتماعية والتفاوتات المجالية من جهة أخرى . ومن ثمة ، تطرح الرؤية السياسية لحزبنا المحددات والمرتكزات الكبرى الضرورية لارساء نموذج تنموي مندمج ، عادل ومنصف ، يسهم في التفعيل القوي لمقتضيات دستور 2011 ، خاصة تلك المتعلقة بالشفافية والحكامة وربط المسؤولية بالمحاسبة .”
النموذج التنموي المنشود هو جملة من القطائع ، وتغيير لبعض مكونات الالة التي لم تعد تشتغل بشكل يساير التطورات المجتمعية والتغيرات الزمنية بما تحمله من ثورات في التقنية واساليب العمل .
ولجنة النموذج التنموي هي فرصة أخرى فقط لا يجب اهدارها ، ومناسبة للمغاربة لدخول الزمن المعاصر في العديد من المجالات . هنا تأتي ضرورة النقاش العمومي .
لا بد من الانطلاق من كون الأمر يتعلق بوطن . والوطن هنا ليس مجرد رقعة جغرافية لتجمع سكني ، بقدر ما يعني انتماء لهوية ولحضارة ولتاريخ . والمرحلة تاريخية سيكون لها ما بعدها . سواء بنجاح ينخرط فيه الجميع ، او بتفويت ، لا قدر الله ، لمناسبة زمنية سيحاسب فيه الجميع في المستقبل القادم .
لا يمكن لعاقل ان ينكر ما بلغه المغرب من تطور في مجموعة من المجالات . ولا يمكن انكار ما تحقق . لكن الممكن أحسن مما تحقق لا محالة . لكن أيضا لا يمكن انكار حجم المشاكل التي يتخبط فيها المغرب ، وهي مشاكل تتعلق بالمؤسساتي وبالعلاقات المجتمعية وبالانتماء والمواطنة التي تتصل أساسا من أخذ وعطاء .
” بالفعل استطاع المغرب ، خلال العقدين الأخيرين ، تحقيق تحولات ايجابية وهامة ساهمت في توفير الشروط المناسبة لكسب الرهانات الكبرى سواء على صعيد تطوير البناء السياسي والمؤسساتي او على صعيد تعزيز التنافسية الاقتصادية . كما تمكن من انجاز مجموعة من المشاريع الكبرى التي ترتبط بالعديد من القطاعات الاستراتيجية من قبيل البنيات والتجهيزات الأساسية والطاقات المتجددة والصناعات المتطورة وغيرها .
غير ان انتعاش النمو الاقتصادي ، الذي نتج عنه ارتفاع الثروة الاجمالية للبلاد ، لم ينعكس بالشكل المأمول على صعيد تحسين الوضعية الاجتماعية على الرغم من التطور الملحوظ الذي سجلته بلادنا في ما يتصل بتراجع مستويات الفقر وتحسن امل الحياة عند الولادة وتعزيز الولوج الى الخدمات الأساسية وتقوية البنية التحتية العمومية ( الماء ، الكهرباء ، الطرق ) . فبلادنا لم تستطع الارتقاء الشامل بالوضعية الاجتماعية بسبب استنفاذ النموذج التنموي القائم لطاقته وقدرته على مسايرة التزايد المتواصل لحاجيات وانتظارات المواطنات والمواطنين وعلى الاستجابة للمستلزمات المتعددة المتعلقة بالعيش الكريم . “
هناك مشاكل اجتماعية تتعلق بعيش الناس أولا وبوجودهم . وهناك ثقة مفقودة في جملة من المؤسسات . وهناك هدر للزمن بانتظارية غير مفهومة . وهناك حيف وغياب عدالة مركزية ومجالية . وهناك شوائب عالقة من فساد وغش واستغلال . وهناك تفاوت طبقي خطير بين قلة تملك كل شيء وأغلبية تصارع الأيام من أجل قوتها اليومي . وهناك خلل في الحكامة . وهناك تأفف في كل موقع اقتصاديا كان او ثقافيا او رياضيا . وهناك رغبة من الجميع في التغيير .
” ان المشروع الذي يطمح اليه المغرب المعاصر ومغرب الغد ، من وجهة نظرنا السياسية ، يتمثل في اقامة مجتمع ديموقراطي ومتوازن يتسع لجميع الطاقات للمساهمة الفاعلة في ارساء النموذج التنموي الجديد . وهو ما يقتضي ترسيخ منظومة متماسكة أساسها المناصفة والمساواة والكرامة الانسانية من أجل محاربة الاقصاء والتهميش وضمان الاشراك الفعلي لمختلف الفئات الاجتماعية في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية .”
المغرب ، اليوم ، ليس في حالة ميؤوس منها ، لكن هذا لا ينفي حجم المشاكل وتعقيداتها . وهذا موجود في كل التقارير الدولية والوطنية التي درست المغرب . يبقى الحل بيد المغاربة في خلق المناخ الملائم والصالح لهم .
طبعا هناك مسؤوليات خاصة بكل جهة ؛ الدولة عليها تحملات لا يمكن ان تتنصل منها . وهناك التزامات عليها ان تتحملها بكل ما تتطلبه من امكانيات مادية وبشرية . الدولة لا يجب ان تنفض يدها من قطاعات اجتماعية في الصحة والتعليم مثلا . كما تتحمل مسؤولية خلق المناخ الملائم للاستثمار ولصيانة المؤسسات والسهر على تطبيق القانون وخلق اليات للمراقبة والمتابعة والتقييم .
ويجب “أولا ،رفع يد الدولة عن الحياة الحزبية ، وبالتالي الايمان العميق باستقلاليتها وقدرتها على العيش بدون موجبات السقوط او النجاح الخارجة عن قدرتها الذاتية . ثانيا ، الايمان العميق بقدرتها على الفعل والايمان بدورها كقاطرة ديموقراطية لا يمكن ابدا البحث عن بدائل لها ، أو بدائل منها للعب دور غير دورها …
الدولة ، من حقها ، بل من واجبها ، ان تعقلن اللعبة السياسية وترشد الكتل الحزبية وتعقلن التاريخ عموما ، كما يرى ماكس فيبر ذلك ، حول الاستراتيجيات ورسم الثوابت والحفاظ عليها ، واستباق الأوضاع الصعبة ، كما في الربيع العربي اياه ، لكنها مطالبة بالايمان بقدرة الأحزاب على الحياة بدونها ….” عبد الحميد جماهري ؛ جريدة الاتحاد الاشتراكي ، العدد 12. 432
والمجتمع بكل مكوناته مطالب بان يسهر على ايجاد اليات التطور والمشاركة والمساهمة في السياسة العمومية ومراقبتها وفرض المحاسبة بخصوص تحسينها وخدمتها للصالح العام …
كل هذا يتطلب ثورة ثقافية تقوم على حب الوطن وخدمته والاصرار على اشتغال المؤسسات من هذا المنطلق اي خدمة الصالح العام .
” …يشدد الاتحاد الاشتراكي ، بوصفه فاعلا تاريخيا في المسألة الثقافية الوطنية ، على البعد الديموقراطي والحداثي للثقافة الذي يستلزم التفعيل الجيد للمقتضيات الدستورية المتعلقة باحترام مبادئ التعددية والتنوع والمواطنة وحرية الرأي والتعبير . ومن ثمة ، من الضروري خلق دينامية مجتمعية قوية رافضة لكل أشكال الاستلاب المحافظ والتفكير العدمي ، وقادرة على اقرار قطب ثقافي جديد يسهم في تعزيز الابداع الحر وثقافة الاختلاف وروح التعايش والانفتاح على الاخر ” .
هو المغرب الذي نريده والذي نرغب في أن يقوم على قيم واضحة للجميع انطلاقا من مجتمع الديموقراطية وحقوق الانسان . ديموقراطية تنتفي فيها القبلية والدموية والمحسوبية والبيروقراطية القاتلة ، ويحتكم الناس الى القانون . ديموقراطية تكون فيها القوانين مسايرة لتطور المجتمع ولتطورات العصر . وحقوق الانسان كما هي متعارف عليها دوليا انطلاقا من المرجعيات الدولية الموجودة في هذا الصدد .
المغرب الذي نريده ؛ دولة المؤسسات ودولة الديموقراطية التشاركية ، لكن انطلاقا من قيم الديموقراطية كما هي معروفة ، وليس ديموقراطية صناديق الاقتراع الشعبوية ( توظيف الدين والمال ) .
المغرب الذي نريد ؛ يعيش فيه الناس باختلاف وتسامح وبحقوق مضمونة . لكن أيضا بتنمية تحقق للمغرب مكانته الوطنية والاقليمية والدولية.
” ومما لا شك فيه أننا اليوم بصدد التشييد لمنعطف تاريخي في مسيرة بلادنا ….”
في الحاجة الملحة والعاجلة لاصلاح المنظومة الانتخابية
” ان التصور الذي نقترحه لارساء نموذج تنموي جديد ، من موقعنا كحزب تقدمي حداثي ينتصر لمبادئ وقيم الحرية والعدالة والمساواة والتضامن ، يقوم على خمسة مرتكزات أساسية نراها ضرورية لكسب الرهانات الاقتصادية والاجتماعية واحداث التحولات الحاسمة في أفق 2040 . وتتحدد هذه المرتكزات في : المرتكز المؤسساتي ، والمرتكز الاقتصادي ، والمرتكز الاجتماعي ، والمرتكز المجتمعي ، والمرتكز الثقافي . ”
المرتكز المؤسساتي :
“ان المرتكز المؤسساتي سيمكن من تقوية دور المؤسسات لاسناد النموذج الاقتصادي والاجتماعي الذي تطمح الى تطويره بلادنا في اطار المقتضيات الدستورية ودولة الحق والقانون وحماية الحقوق والحريات .
وفي هذا الصدد ، لا بد من العمل على تجاوز الأزمة المزمنة للمنظومة التمثيلية ، وخاصة السلبيات التي أفرزها نمط الاقتراع اللائحي لأزيد من 15 سنة مما ساهم في ضعف أداء المؤسسات المنتخبة واستفحال الفساد الانتخابي باستعمال المال أو الاحسان المقيت . الأمر الذي يتطلب اصلاحات قوية من أجل تمثيلية سياسية حقيقية في كل الهيئات المنتخبة ، الوطنية والجهوية والمحلية ، ما دامت بلادنا قد اختارت طريق الديموقراطية في تدبير شؤونها العامة . ولذلك ، ان الأوان للقيام بمراجعة شاملة للمنظومة الانتخابية بما يسهم في تجديد النخب السياسية وترسيخ تمثيلية القرب اذ نؤكد ان الاقتراع الفردي من شأنه ان يكرس التواصل المستمر والجاد بين المنتخبين والمواطنين . ومن شأن هذه المراجعة أن تفرز تمثيليات ذات مصداقية ونخب كفأة ونزيهة ويمكن من الرفع من نوعية الأداء في مختلف الهيئات المنتخبة بما ينعكس ايجابا على جودة ونجاعة التدبير العمومي …”
“….ولا نعتقد اطلاقا ان التغيير الضروري للواقع الحالي من أجل بناء نموذج تنموي جديد يمكن أن يتم دون اصلاح المنظومة الانتخابية التي تعتبر بحق المدخل الأساسي لتوفير شروط انجاح الاصلاحات الاقتصادية والاجتماعيية .”
في الملتقى الجهوي للشبيبة الاتحادية بجهة طنجة تطوان الحسيمة – شفشاون 29 نوفمبر 2019- عبر الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ذ ادريس لشكر ؛ عبر عن عدم اطمئنان الاتحاد الاشتراكي للوضع الحالي ؛ لأن المشهد السياسي ، اذا ظل بهذه الرتابة وبهذه الطريقة دون أن نحضر جميعا لمرحلة 2021، فان الوضع سيعرف انتكاسة كبيرة ، محذرا من تكرار نفس الأخطاء التي ارتكبت في المرحلة السابقة ؛ من هنا وجب على الحكومة الاسراع في فتح ملف القوانين المتعلقة بالانتخابات واتخاذ الاجراءات والتدابير لتحفيز المواطنين على المشاركة السياسية وعدم العزوف منها ؛ فالمغرب اذا لم يقدم المثال والنموذج للتصدي لمجموعة الكائنات الانتخابية التي تفسد الانتخابات في ربوع الوطن فانه يتعذر الحديث عن انتخابات نزيهة ؛ حيث ان المفسدين لهم قدرات كبيرة في الافساد والتلاعب ….
واذا كان المغرب يقدم نموذجا واضحا لمحاربة الارهاب والمخدرات والجريمة والسؤال المطروح بالحاح : متى ستظل جريمة افساد المؤسسات مستمرة ؟! من هنا فالضرورة تفرض على الحكومة جعل الورش المتعلق بالقوانين الانتخابية ورشا اصلاحيا حقيقيا ؛ وهذا مفروض أن يفتح اليوم ؛ فليس مقبولا ولا معقولا ان ننتظر ليلة الانتخابات لتتم الدعوة الى التوافق ….
ان الاصلاح لا يمكن أن يتوافق مع الفساد و استمرار هذا الوضع لا يستقيم مع المشروع التنموي الجديد الذي تتوخاه البلاد….
وهذا تذكير وتأكيد لما قاله الكاتب الاول للاتحاد الاشتراكي ذ ادريس لشكر امام المجلس الوطني -29 شتنبر 2018-:(اننا متيقنون ان هذه الإصلاحات لا يمكن أن تترجم في أرض الواقع ، إلا بتمثيلية سياسية حقيقية ، في كل الهيئات المنتخبة ، الوطنية والجهوية والمحلية ، لأن بلادنا اختارت طريق الديموقراطية ، في تدبير شؤونها العامة ، غير أن التجربة بينت ان المغرب محتاج الى مراجعة المنظومة الانتخابية ، برمتها ، من أجل معالجة الاختلالات التي طالما نادينا بتجاوزها في الاستحقاقات الأخيرة ، ونعتبر انه حان الوقت للتقييم والمراجعة والاصلاح .
وقد سبق أن قدمنا اقتراحات في هذا الصدد ، وسنعمل على تجديدها ، لأننا نسعى إلى تعميق الممارسة الديموقراطية في المغرب ، وافراز تمثيليات ذات مصداقية ونخب كفأة ونزيهة . وهنا نريد أن نؤكد اننا مقتنعون ان هذه الإصلاحات سترفع من نوعية الأداء في مختلف الهيئات المنتخبة ، الشيء الذي من شأنه أن ينعكس بشكل واضح ، على حسن التدبير والنجاعة في التسيير ، وهي المعضلات التي تعاني منها بلادنا في العديد من المجالات ، ناهيك عن أن الانتخابات ، وما تسفر عنه من مؤسسات ، اصبحت بالنسبة للبعض سوقا للربح والكسب ، المادي والايديولوجي .
اننا لا نعتقد أن تغيير الواقع الحالي ، من أجل بناء نموذج تنموي جديد ، يمكن أن يتم دون إصلاح نظام الحكامة والمنظومة الانتخابية ، لأن هذا المدخل السياسي ، هو الذي يسمح بانجاح اي إصلاح اقتصادي او اجتماعي .
وفي نفس هذا السياق ، فإن نجاح ورش الجهوية واللاتمركز الإداري ، رهين ايضا بنظام حكامة جديد وبنخب إدارية ومنتخبة قادرة على القيام بأدوارها .)
وقد أكد البيان الصادر عن المجلس الوطني -29 شتنبر 2018 – على ضرورة التفعيل الجدي والديموقراطي لمقتضيات دستور 2011 , خاصة ما يتعلق بالحكامة والشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة ، وتطوير آليات وخدمات المرفق العام .وأكد البيان على موقف الاتحاد الاشتراكي الداعي إلى المراجعة الجذرية للمنظومة الانتخابية ، ونهج إصلاحات سياسية حقيقية ، للقطع مع الفساد الانتخابي ، الذي لم يعمل سوى على تشويه صورة مؤسساتنا التمثيلية ، والحكم عليها بالضعف والوهن والشلل ، بسبب تفشي مظاهر الرشوة والمحسوبية والتسيب وإقصاء الكفاءات .
وبنفس الرؤية والقناعة ؛ جاء في التقرير السياسي للكاتب الأول امام المجلس الوطني -29 يونيو 2019 – ” … واذا كنا قد ساهمنا قبيل كل محطة انتخابية في تقديم المقترحات اللازمة بخصوص مختلف الجوانب المرتبطة بالعملية الانتخابية ، فإننا نؤكد اننا سنستمر في نفس النهج حتى الوصول الى منظومة متجانسة ومتكاملة انطلاقا من عملية التسجيل في اللوائح الانتخابية الى غاية الاعلان عن النتائج وما يترتب عن الاستحقاقات من منازعات انتخابية .
اننا نعتبر انه ينبغي معالجة العديد من المظاهر السلبية التي تمس بسلامة المسلسل الانتخابي ، وذلك من خلال إيجاد حل قانوني لمعضلتين اثنتين ؛ ضرورة تدعيم الأحزاب السياسية بما يمكنها من القيام بالأدوار المنوطة بها وفق الفصل السابع من الدستور ، والعمل على محاربة استعمال المال والدين في الخطابات والممارسات السياسية .”
وفي نفس السياق ، وبنفس الرؤية والإرادة ، أكد الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، في الملتقى الوطني للرؤساء الاتحاديين بالجماعات الترابية ، يوم السبت 13 يوليوز 2019 بالرباط : ” هذه مناسبة لكي نؤكد أن بعض رجال السلطة عليهم ان ” يدخلوا سوق رأسهم ” ، وأن كل محاولة إغواء او ترغيب من طرفهم مدعين ان مشروعا هنا او مشروعا هناك ، اقول لهم ، بكل مسؤولية ، ليس للدولة اي مشروع غير إصلاح مقومات هذه الدولة ، ولذلك اطمئنوا !
اريد أن أقول ، بكل مسؤولية ، ان كل استغلال سياسوي ، سواء للدين أو للمال ، او حتى لبعض المشاريع التي ينجزها البعض ، مصرحين بأنهم غير مهتمين بالانتخابات ، نحن عكسهم ، نقول مهتمون بالاستحقاقات القادمة ، ويجب فتح حوار جدي وحقيقي بشأنها في الدخول السياسي والاجتماعي القادم .”
يقول الكاتب الأول ، في ذات الملتقى ” نقول للحكومة بشكل مسؤول ، لا تتركينا حتى ليلة الانتخابات للحديث معنا حول المنظومة الانتخابية وكيفية إصلاحها ، وندعوها من اليوم لمباشرة حوار حول الإصلاحات مع كافة الطيف السياسي لمقاومة هاتين الافتين ، لنعمل بشكل مشترك متوجهين الى المستقبل ، ونحمل الإدارة الترابية مسؤوليتها في تدبير هذا الأمر بحوار حقيقي ابتداء من شتنبر ، في قضية المنظومة الانتخابية وفي التمويل العمومي للأحزاب السياسية . ”
” ان البناء السياسي والمؤسساتي الصلب ضروري لتطوير البنية الاقتصادية وضمان ديناميتها بطريقة عقلانية تسفر عن امكانيات هائلة لانتاج الثروة ودعم تنافسية البلاد ، وتسخير النمو الاقتصادي لتحسين ظروف عيش المواطنات والمواطنين ”
-” لا تنمية بدون ديموقراطية ، ولا ديموقراطيةبدون أحزاب سياسية ”
” ….المجتمع السياسي لم تتح له نفس الامكانيات التي اتيحت للمجتمع المدني ، ومع ذلك يقوم بأدواره التعبوية الكاملة والمؤثرة.”
–مقدمة لا نمل من تكرارها
ان المرحلة التي تمر بها بلادنا مرحلة خاصة ودقيقة ، مرحلة انتقالية ، مرحلة يطبعها الغموض والالتباس ، الخلط وتبادل الأدوار والوظائف …مثلما يحدث في الجمعيات او بعضها التي تبشر بنهاية السياسة وموت الاحزاب وعقم الفاعلين السياسيين التقليديين .ونؤكد أن السياسة لم تنته وان دور الاحزاب ضروري لإنجاح المشروع الديموقراطي الحداثي الذي تنشده بلادنا ، باعتبار الاحزاب ركيزة أساسية للنظام الديموقراطي ، ولا يمكن أن نتصور اي تحول ديموقراطي ، أو ديموقراطية بدون أحزاب ، فالديموقراطية كما تحققت في العالم هي ديموقراطية الاحزاب السياسية ، من هنا لا يمكن أن نؤسس ونبني مشروعا ديموقراطيا بالتشكيك في دور الاحزاب وتبخيس فعاليتها ، أو بمحاولة تجاوزها او إلغائها …
ان الحزب يختص ، من بين كل المؤسسات المجتمعية ( الجمعيات ، النقابات ، مؤسسات الإعلام …) بالممارسة السياسية وتاطير المواطنين وتأهيلهم لممارسة الشأن العام ، كما يعمل على تكوين النخبة السياسية ، خدمة للمواطنين وتلبية لحاجاتهم المتنوعة والمختلفة وتحت مراقبتهم ومحاسبتهم …وهذا أوج ما وصلت اليه الديموقراطيات المعاصرة بعدما استكملت نضجها المجتمعي واستقرارها السياسي…
الحزب اذن وسيلة من وسائل ممارسة الشأن العام السياسي ، يتقاطع مع كثير من المؤسسات المجتمعية الحديثة ، من غير أن تتمكن اي منها من ان تنوب عنه في تربية المواطنين على ممارسة حق المشاركة السياسية ، وأن ذهب بعضهم عن جهل او خلط مع سبق الإصرار الى التبشير ببديل عن الاحزاب السياسية ، يحصرونه في جمعيات محسوبة على المجتمع المدني او ما شابهها …
نعم هناك انسحاب من السياسة وعزوف عن الاحزاب ، مقاطعة للانتخابات وتبخيس للمؤسسات التمثيلية …وكل هذا وليد عوامل متعددة ؛ تاريخية ، اجتماعية وثقافية …من هنا وجب التفكير جديا في الأمر ووضع استراتيجية من شأنها أن تؤدي إلى تصالح المواطنين مع السياسة وممارسيها ، مع الانتخابات والمؤسسات التي تكون نتيجة لها…وهذا الاشكال وعاه ويعيه الاتحاد الاشتراكي
بعمق ، ويجتهد فكريا وتنظيميا لاعادة الاعتبار للسياسة…ويعتبر ان انجع السبل لتحقيق هذه الغاية ، هو تكوين المواطنين وتأطيرهم ، توعيتهم وتحريرهم من البؤس الفكري والفقر المعرفي ، تطهيرهم من الأوهام والمغالطات ، انتشالهم من تجار الدين والفقر…
– لا مجتمع مدني بدون مجتمع سياسي
يجب أن نحذر مما يقال عن المجتمع المدني ، وبالخصوص يجب الا يتحول نشطاء المجتمع المدني الى صيغة جديدة ل ( الصاب ) اي اللامنتمين الذين كانوا أداة للتمييع ، وهناك الان تحامل على الاحزاب وبالذات الاحزاب الديموقراطية وفي طليعتها الاتحاد الاشتراكي …ولا يستبعد أن يكون الهدف هو خلق الفراغ ، والفراغ اقتل من القمع ، والقمع يمكن أن يكون مجرد فترة وتمر ، ويمكن أن يصيب الوهن مرتكبه ، أما الفراغ فهو يقتل القريحة ويستمر مفعوله عدة احقاب ، فلنحذر من من خلق الفراغ بتمييع الاحزاب السياسية والاستمرار في بلقنة الحياة السياسية ..
وفي مقابل هذا الطرح نؤكد أن العمل الجمعوي الجاد والهادف ركيزة من الركائز الأساسية لتحقيق الديموقراطية والتنمية . فالديموقراطية لا تقوم على اختيار المنتخبين فقط بل على مساهمة المجتمع كله . ان الاحزاب والنقابات والجمعيات والاعلام …ركائز محورية للديموقراطية ، فإذا كانت الاحزاب تقرر فالجمعيات تقترح ، تراقب وتنتقد ، وتطالب بالتغيير والتصحيح ، والنقابة تدافع عن مصالح العمال…..
ان ما يجمع الحقل الجمعوي / المجتمع المدني والحقل الحزبي / المجتمع السياسي هو التكامل والتفاعل ، فلا مجتمع مدني بدون مجتمع سياسي ، ولا يمكن للاول تجاوز الثاني او الاستغناء عنه .ان المجتمع المدني لا يمثل مشروعا سياسيا ، اقتصاديا واجتماعيا ، ولا يشكل سياسة عمومية . واعتمادا على هذا نقول ؛ ان المجتمع المدني لا يمكنه أن يلغي دور الاحزاب السياسية او مساءلة أسس العمل الحزبي ، ولا يمكن اعتباره ، كما يعتبره البعض لأسباب وخلفيات مختلفة ، بديلا للعمل السياسي المنظم حزبيا…
ان الاحزاب السياسية والجمعيات المدنية يميز بينهما الاختصاص، فالحزب مختص في النشاط السياسي وكافة الأنشطة المؤطرة والمؤدية اليه ، بينما تختص الجمعيات المدنية بالفعل المدني وكل تبعاته ، وإذا كانت حدود التمييز بين السياسي والمدني صعبة جدا ، فإن الحزب السياسي والجمعية المدنية يتكاملان ، وأن استعمل أحدهما الآخر للوصول إلى أهدافه ، وهو شيء إيجابي في حد ذاته ، لأن كليهما يحسب على التأطير المجتمعي دونما تنافر كما يحاول ان يوهمنا بذلك أعداء الممارسة الديموقراطية الحديثة
مطروح اذن على الجمعيات المدنية ان تسند الاحزاب التي تحترم قواعد الممارسة الديموقراطية ، مطروح عليها ان تلعب دورا أساسيا في إصلاح الامور.
ان الممارسة الديموقراطية الفاعلة والناجعة هي التي تقوم على مشاركة فعلية للمواطن ، وعندما أقول المواطن لا أقصد بشرا يشارك في الانتخابات كقطيع ، المواطن له دلالة أرقى وأسمى ، ولا يجوز الحديث عن وجود مواطن اذا كان المرء لا يعير اهتماما للمحيط الذي ينشأ فيه ويتأثر منه ، بتعبير اخر هذه الثقافة التي يجب التأسيس لها في مغرب الألفية الثالثة ، تحيلنا على تحرك سياسي ، جمعوي وتربوي ، لأن المواطن ليس حالة فطرية ، المواطن لا يخلق مواطنا بصفة طبيعية ، المواطن يتم تكوينه من خلال التربية والممارسة المجتمعية والسياسية ، والمواطنة في المغرب ما زالت في حاجة لأن تقطع أشواطا هامة لتصير مفهوما له دلالة فعلية كاملة ، وعلينا ان نقوم بعملية بيداغوجية بكل معنى الكلمة في هذا الشأن
– في الحاجة الى منتوج حزبي جيد
دعا جلالة الملك ، محمد السادس في افتتاح الدورة الاولى من السنة التشريعية ( اكتوبر 2018 ) , الى الرفع من الدعم العمومي المخصص للأحزاب السياسية ….غير ان الخطاب الملكي ، ربط بين الزيادة في دعم الأحزاب ، ومسألتين اساسييتين :
الاولى ، تتعلق بتجديد أساليب العمل ، والرفع من أداء اداء الأحزاب ومساهمتها في جودة التشريعات والسياسات العمومية ، وهو ما تحتاجه بلادنا بقوة ، لمواجهة التحديات الداخلية ، الاقتصادية والديموغراغية والسوسيولوجية ، وكذا تحديات المحيط الاقليمي والدولي …
الثانية ، ترتبط أيما ارتباط بالموارد البشرية القادرة على الانتاج الفكري وانجاز الدراسات والأبحاث والمساهمات ، التي من المفترض ان تقدمها الأحزاب للدولة والمجتمع ، لذلك اشترطت دعوة جلالة الملك ، الزيادة في الدعم ، بتخصيص جزء منه للكفاءات والطاقات التي تشتغل في مجالات التفكير والتحليل والابتكار .
من الواضح ان مشروع زيادة الدعم العمومي للأحزاب ، يتميز بدعوة صريحة لتنمية دورها وتحسين جودة منتوجها ، على الصعيد الكيفي ، بالخصوص ، اي بتطوير مساهماتها الفكرية والاقتراحية ، وهذا ورش من الأهمية بمكان ، لأن الأحزاب الديموقراطية ، ليس في المغرب وحده ، بل في العالم ، لعبت دورا كبيرا في انتاج الأفكار والمشاريع المجتمعية والتصورات الكبرى ، بالاضافة الى مساهمتها في الهيئات المنتخبة المحلية والوطنية ، او في تدبير الشأن العام ومراقبة السياسات العمومية…
الحكاية ، اذن ، ليست حكاية مزيد من المال وكفى ، مثلما أراد بعض المغرضين الايهام ، المسألة استجابة لحاجة ملحة تبدو على هاته الأحزاب ، وهي لا تتوفر على نخب متخصصة كل في ميادينه ، وتكتفي بجمع بعض من ” المناضلين ” داخلها ، فيما تنفر منها الطبقات المتعلمة ذات التخصص العالي ، لأنها غير مغرية لا ماديا ولا اجتماعيا ، ما يفترض إعادة حتى في طريقة اشتغال أحزابنا التقليدية ، ومنحها الوسائل الكفيلة بتقريبها من هاته الطاقات ، وتشجيع هاته الأخيرة على تقديم خبراتها لهاته الاحزاب ان من باب الانخراط فيها او من باب العمل داخلها دون انخراط مما هو جار في كل أنحاء العالم المتحضر .
ولا شك ان حزب الاتحاد الاشتراكي يكاد يكون الحزب الوحيد ( يمينا ووسطا ويسارا ) الذي استوعب مضمون الخطاب الملكي وتلقى الرسائل التي يحملها بكل وعي ومسؤولية ، فانخرط في دينامية تنظيمية وسياسية ، فكرية وثقافية ، بلغت اوجها في شهر رمضان الأخير…وسجل الرأي العام تميز الاتحاد الاشتراكي ، الحزب الذي يؤطر المواطنين ، توعيتهم وتكوينهم فكريا …كما سجل البؤس الفكري والعقم السياسي الذي استغرق الأحزاب التي انشغلت ، طيلة الشهر الفضيل ، بتوزيع القفة والمتجارة بفقر الفئات الشعبية المعدمة ….فرق ، اذن ، بين حزب يخاطب في الناس عقولهم وأحزاب تخاطب فيهم بطونهم ….فرق بين حزب يحضر المواطنين وأحزاب تحضر للانتخابات بأساليب مرفوضة عقلا وأخلاقا…
ان الاتحاد الاشتراكي يجتهد في خلق اسئلة تساعدنا على فهم هذا الواقع . ويكفينا فخرا ان جزءا كبيرا من اسئلة الاتحاد ، اصبح في صلب اهتمامات الدولة…
” بادر حزبنا الى الانخراط الفعلي في هذا الورش الوطني من وضع تصور واضح ومتماسك حول مشروع النموذج التنموي الجديد . وقد أخذ حزب الاتحاد الاشتراكي بعين الاعتبار تأكيد جلالة الملك ، في رسالته السامية الموجهة يوم 19 فبراير 2018 الى المشاركين في أشغال المنتدى الدولي الثالث للعدالة الاجتماعية ، على ان بلادنا تحتاج اليوم لبلورة رؤية مندمجة لنموذجها السياسي والاقتصادي والاجتماعي بما يمكن من ارساء استراتيجية شاملة تستوعب بعمق التحديات الاجتماعية المطروحة وتستجيب لتطلعات المواطنات والمواطنين .”
لا أحد يجادل – الان وغدا – في ان هذا الزمن السياسي ، ومن قبل ..ومن قبل قبل ..ومن بعد ..ومن بعد بعد ، هو زمن الاتحاد الاشتراكي بامتياز سياسي واستحقاق فكري..
الاتحاد الاشتراكي انعش المشهد السياسي ببلادنا ، وأخرجه من الجمود والرتابة ..أعطى للسياسة معنى …انتفض على السبات والاتكالية ..على العبث الذي يتهدد مستقبل الديموقراطية ببلادنا…
ان الاتحاد الاشتراكي ليس حزبا مناسباتيا..ليس حزبا ميتا ينبعث او يبعث في موسم الانتخابات…حزب حي في التاريخ بل التاريخ حي به…حزب النضال المستمر ..حضور قوي في كل زمان ومكان…
حزب استثنائي ، امن واختار في مؤتمر استثنائي ؛ الاختيار الصعب والصحيح…حزب استثنائي ، كان وما زال وسيبقى…يمارس السياسة بأخلاق …بشكل مختلف عن كل الاحزاب…الديموقراطية منهج وهدف وليست مجرد انتخابات خصوصا عندما تكون مغربية….
زعم ” اصحاب اليمين المخدوم ” انه انتهى ، وزعم ” اصحاب اليسار المشتت ” انه مات….ولكن ، وفي كل نبوءة يندحرون ويصدمون…الاتحاد الاشتراكي يولد من جديد …يولد قويا …يولد صامدا …شامخا ..يتحدى الاصنام والاوهام…
الاتحاد الاشتراكي حي …الاتحاد الاشتراكي صامد…حزب الممارسة التي تفكر والفكر الذي يمارس ..يبادر ..يبدع …يطرح الأسئلة ويدعو إلى التفكير فيها…الحقيقة نطلبها ولا نمسك بها…لا جواب نهائي …لن يموت الاتحاد الاشتراكي مادام في المغرب انسان يتساءل ، يفكر ،يناضل …انسان يروم معانقة رفعة المواطنة والقطع خسة الرعية…
الاتحاد الاشتراكي ورش سياسي مفتوح …ملتقيات وندوات فكرية وتكوينية في كل الأقاليم والجهات …مهرجانات جهوية للشبيبة الاتحادية…تظاهرات عظمى ذات بعد وطني ،مغاربي ودولي…تفاعل قوي وفعلي مع خطب صاحب الجلالة بتوجهاتها الوطنية والتنموية ، تجسيد ميداني للرسائل الملكية …وكان الحدث العظيم ؛ نداء الأفق الاتحادي ؛ نداء المصالحة والانفتاح ؛ وكانت 2019 سنة الاتحاد الاشتراكي….
من الاحزاب من يتخبط في أزمة تنظيم ، أزمة وجود وأزمة استمرار …ومن الاحزاب من يتخبط في فضائح اخلاقية كشفت عن ازدواجية الخطاب والسلوك وأعلنت انهيار أسطورة الطهرانية …أمناء ورؤساء الاحزاب مختفون …مع ذلك لا احد يكتب ، ينبه ، يعلق ، يصور….
الاتحاد الاشتراكي الذي قهر سنوات الرصاص لن تزعجه ألاعيب الصبيان ، والكاتب الاول للاتحاد الاشتراكي لن تشغله سفاسف الاشباح …انه منشغل بعظائم الامور ..انه صاحب قضية…
الاتحاد الاشتراكي هو المنقذ ، بالامس واليوم وغدا
في المحطات المفصلية ، في اللحظات الحاسمة ؛ الاتحاد الاشتراكي حاضر بقوة واعية : النضال من أجل الاستقلال …عودة الملك الشرعي …النضال من أجل السيادة …الاستقلال بمعنى التحرير …استكمال الوحدة الترابية …مغربية الصحراء …انقاذ البلاد من السكتة القلبية …الانتقال السلس للعرش …الاتحاد الاشتراكي منخرط في ثورة الملك والشعب ؛ ثورة تتجدد بتجدد الأسئلة والتحديات …
الاتحاد الاشتراكي ؛ الحزب الوطني والمواطن ، الشرعي والمشروع ؛ شرعية تاريخية ووطنية ، نضالية وديموقراطية …فلا تراهنوا على الاشباح …لا تراهنوا على الاصنام …بالأمس راهنتم على الحزب المعلوم ، راهنتم على الفراغ ؛ كنتم ضد إرادة الشعب وكانت النتيجة انتصار الظلامية والشعبوية ؛ خيرتهم بين السماسرة وتجار الدين فاختاروا دعاة الظلام . انتم من منح فرص فوز بنكيران ؛ خدمتموه من حيث لا تعون….
ضرورة إعادة النظر في آليات تمويل الأحزاب السياسية
جاء في التقرير السياسي للكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أمام المجلس الوطني – 29 يونيو 2019 – ( …في نفس السياق ، فإن الطريقة المعتمدة لتقديم الدعم العمومي المالي للأحزاب السياسية ، أصبحت تشكل عائقا أمام تطور وسائل عملها ، وهو ما يدعو إلى التعجيل بتفعيل التوجيهات الملكية بخصوص رفع الدعم العمومي للأحزاب وتخصيص جزء منه للكفاءات التي توظفها في مجالات التفكير والتحليل والابتكار .
ان الاتحاد الاشتراكي ، سيدافع عن ضرورة إعادة النظر في آليات تمويل الأحزاب السياسية ، بما يضمن استمرار التعددية الحزبية التي أصبحت واقعا لا يستقيم معه التوجه نحو أية قطبية مصطنعة قائمة اما على استغلال الخطاب الديني أو على استغلال المال ، وهما الظاهرتان اللتان ينبغي تقنينهما بشكل جيد حتى يتحقق مبدأ تكافؤ الفرص بين الهيئات المتنافسة التي ينبغي أن تدافع عن برامجها بمنطق مدني وليس بخطاب ديني .
ونقترح بهذا الخصوص ، اعتماد معايير تعكس فعلا الحياة الحزبية ، من قبيل عدد المقرات الحزبية ، وعدد التنظيمات الجهوية والاقليمية والمحلية المصرح بها ، وتمثيليتها في التنظيمات المهنية المنظمة وطنيا ، وأنشطة التنظيمات النسائية والشبيبية ، وانتظام صدور الإعلام الحزبي الورقي ، والتوفر على المواقع الالكترونية الحزبية ، الى غير ذلك مما نعتبر انها معايير حزبية حقيقية ، إذ لا يعقل مثلا ان يكون أكبر المستفيدين من الدعم العمومي لا يتوفرون حتى على
جريدة ورقية يومية أو على الأقل منتظمة الصدور . )