العربي مولاي أحمد
تشكل الصحة النفسية اليوم واحدة من أبرز القضايا التي تواجه المجتمع المغربي، في ظل تدهور مستمر يشير إليه ارتفاع معدلات الاضطرابات النفسية مثل القلق والاكتئاب واضطرابات السلوك، خاصة بين فئة الشباب.
وفقاً لتقرير وزارة الصحة الصادر عام 2024، يعاني حوالي 30% من المغاربة من اضطرابات نفسية بدرجات متفاوتة، في حين لا يتجاوز عدد الأطباء النفسيين في البلاد 350 طبيباً فقط، موزعين بشكل غير متساوٍ بين المدن الكبرى والمناطق الريفية، مما يزيد من صعوبة الوصول إلى خدمات الدعم.
من المؤكد أن استمرار تجاهل الأبعاد النفسية والاجتماعية للمشاكل الصحية قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة وظهور مضاعفات خطيرة، منها ارتفاع نسب الانتحار والإدمان والعنف المجتمعي.
بحسب بيانات المنظمة العالمية للصحة، سجل المغرب ارتفاعاً بنسبة 15% في حالات الانتحار خلال الخمس سنوات الأخيرة.
وفي هذا السياق، تشير الدكتورة هند بنعلي، أخصائية علم النفس، إلى أن “الوصمة الاجتماعية والجهل بأهمية الصحة النفسية يمنعان العديد من المرضى من طلب المساعدة في الوقت المناسب، ما يؤدي إلى تفاقم حالتهم”.
كما تشكل الحاجة إلى بناء “ثقافة نفسية” لدى المغاربة أحد العوامل الحاسمة لتجاوز الأزمة، إذ إن فهم المرض النفسي والتعامل معه بموضوعية وبدون وصمة هو مدخل ضروري لتشجيع المصابين على طلب المساعدة في وقت مبكر، والحد من معاناة صامتة تؤثر على جودة الحياة. وتشير دراسات حديثة إلى أن 70% من الحالات التي تعالج مبكراً تسجل تحسناً ملحوظاً مقارنة بالحالات التي تتأخر في الحصول على الدعم.
في ظل هذه التحديات، يجب على الجهات المعنية العمل على بناء استراتيجية شاملة ترتكز على التكامل بين الجانب الطبي والنفسي والاجتماعي، مع تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني، للحد من الفجوة في الخدمات وتوفير دعم مستدام يواكب تطور الاحتياجات.
يؤكد الدكتور يوسف المريني، رئيس الجمعية المغربية للصحة النفسية، أن “المغرب بحاجة إلى تحديث قوانينه الصحية وتوسيع البرامج الوقائية، إلى جانب دمج الدعم النفسي في المنظومة التعليمية لتكوين أجيال أكثر وعيًا”.
ويبقى مستقبل الصحة النفسية للمغاربة رهيناً بالخطوات التي ستتخذ اليوم لتغيير واقع متأزم، حيث أن بناء مجتمع صحي نفسياً ليس خياراً بل ضرورة حتمية لضمان استقرار الوطن وسعادة أفراده. الفرصة لا تزال متاحة لإعادة النظر في السياسات والممارسات، وتقديم نموذج جديد يحقق توازناً بين العلاج والدعم الوقائي والثقافة النفسية الجماعية.