هاشتاغ _ عزيز الاحمدي
في عزّ الأزمة التي ضربت مستشفى الحسن الثاني بأكادير، خرج علينا وزير الصحة أمين التهراوي كأنه رجل إطفاء شجاع جاء لينقذ أرواح الناس، لكن سرعان ما اكتشف المغاربة أن الوزير لم يطفئ ناراً، بل أشعل أخرى: نار الكذب.
الرجل لم يقدّم أي جديد، بل سرق إنجازات الماضي، أعاد تدويرها، ولبس ثوب المنقذ. إنها السياسة حين تتحول إلى مسرحية رديئة، أبطالها وزراء يسوّقون الوهم بالمال العام.
لنبدأ من اتفاقية “الـ200 مليون درهم” التي قدّمها الوزير كإنجاز طازج. الحقيقة أن هذه الاتفاقية وُقعت يوم 30 ماي 2023 في عهد الوزير السابق خالد آيت الطالب، بحضور رئيس الحكومة ووالي الجهة، ثم عُدّلت لاحقاً يوم 12 أكتوبر 2024 لترتفع الكلفة إلى 205 ملايين درهم.
أين الجديد إذن؟ الجديد هو أن الوزير سرق اتفاقية قديمة وألبسها ثوب المبادرة المستعجلة. هكذا بكل بساطة.
ننتقل إلى صفقات الحراسة والنظافة، حيث أن الوزير قدّمها كإجراءات فورية بعد الاحتجاجات. لكن الوثائق الرسمية تفضحه. صفقة النظافة (رقم 16/2025/DRSPS-SM) أُطلقت يوم 24 يوليوز 2025، بكلفة 10,9 ملايين درهم للحصة الأولى و10,4 ملايين للحصة الثانية. وصفقة الحراسة (رقم 15/2025/DRSPS-SM) في اليوم نفسه، بكلفة 17,1 مليون درهم للحصة الأولى و13,8 مليون درهم للحصة الثانية.
أي أنها صفقات مبرمجة قبل الفاجعة بأسابيع طويلة، وسوف تفتح أظرفتها بداية أكتوبر المقبل، ومنشورة على منصة الصفقات العمومية، وليست رداً عاجلاً كما أوهم الوزير. هذه ليست “عجلة إصلاح”، بل “عجلة كذب” تدور بلا توقف.
ولم يكتف الوزير بهذا، بل قدّم قراراً عادياً كأنه بطولة شخصية، حيث قال إنه غيّر مدير مستشفى الحسن الثاني بعد الأزمة. لكن قرار وزاري وقعه هو شخصيا بتاريخ 9 شتنبر 2025 أعلن عن شغور المنصب، أيّ قبل أسبوع من اندلاع الاحتجاجات فأي بطولة هذه؟ الوزير لم يقم إلا بتسويق قرار إداري عادي وكأنه ردّ على غضب الشارع.
أما الفضيحة الكبرى، فهي التضحية بالمديرة الجهوية للصحة بجهة سوس ماسة، المنتمية لحزب الوزير نفسه، لتقديمها ككبش فداء يهدئ غضب الناس، هكذا تُدار وزارة الصحة: بالقرابين البشرية.
الوزير هرب من مسؤوليته السياسية وفضّل تعليق المشانق لموظفيه بدل أن يتحمل وزر فشله.
هذه الحقائق ليست آراء بل أرقام وتواريخ منشورة: 30 ماي 2023، 12 أكتوبر 2024، 24 يوليوز 2025، 9 شتنبر 2025.. كل وثيقة تسقط قناعاً من أقنعة الوزير، فكل تاريخ يكشف طبقة جديدة من التضليل، و طالوزير التهراوي لم يأتِ لإنقاذ المنظومة الصحية، بل جاء ليغطي الشمس بالغربال.
لكن المسؤولية لا تقع على الوزير وحده.
من جاء به؟ من زكّاه؟ إنه عزيز أخنوش رئيس حكومة، الذي وضع قطاع الصحة، العمود الفقري لـ”الدولة الاجتماعية”، في يد رجل “سقط بالمظلة” من شركة زوجة رئيس الحكومة إلى وزارة الصحة.
إن المغاربة لا يحتاجون إلى وزراء يسوّقون الوهم في نشرات الأخبار، بل يحتاجون إلى مسؤولين يعرفون أن كل سرير فارغ في قسم الولادة قد يعني حياة تُزهق، وأن كل تجهيز معطّل في قاعة العمليات قد يعني جنازة جديدة. أرواح الناس ليست مادة لـ”التبوريد الإعلامي”، وليست مطيّة لحسابات حزبية.
اليوم، الحقيقة أوضح من أي وقت مضى: الوزير ضلّل الرأي العام، والحكومة تواطأت بالصمت. المطلوب ليس خطبا جديدة ولا صوراً من زيارات رسمية مخدومة سلفا، بل محاسبة كل من مان سببا في جعل مستشفى بأكادير ليتحوّل إلى “مستشفى الموت”؟
إن استمرار هذا العبث بمثابة جريمة سياسية. لأن الصحة حق دستوري، والكذب على الناس في عزّ أزماتهم خيانة.