منع الجمعيات من محاربة الفساد.. خطوة نحو الظلام أم استراحة للإصلاح؟

بقلم: ماريا إحجبوها
يمثل قرار الحكومة المغربية بمنع الجمعيات من التقدم بشكايات تتعلق بجرائم المال العام لحظة مؤلمة في تاريخ التشريع الوطني ويشكل تراجعاً خطيراً في مسار تخليق تدبير الشأن العام ومحاربة الفساد.

هذا القرار الذي جاء ضمن تعديل قانون المسطرة الجنائية، أثار موجة استياء عارمة داخل الأوساط الحقوقية والسياسية والمدنية واعتُبر ضربة موجعة للدينامية التي بدأت تعرفها البلاد في السنوات الأخيرة.

لقد لعبت جمعيات حماية المال العام دوراً محورياً في كشف اختلالات تدبير المال العمومي، حيث ساهمت بشكل فعال في تحريك ملفات كبرى، لاسيما في مراكش والدار البيضاء ومدن أخرى.

وأفضت تحركاتها إلى عزل بعض المسؤولين وفتح تحقيقات لا تزال جارية إلى اليوم، هذه الدينامية المجتمعية النابعة من يقظة المجتمع المدني لم تكن لتتحقق لولا وجود إطار قانوني يسمح بممارسة هذا الدور الرقابي، ويعد منع الجمعيات من هذه الإمكانية تراجعاً مؤسسياً عن هذا المكسب الديمقراطي.

ويبدو أن هذا التعديل الجديد لا يراعي حجم التراكم الذي تحقق في مجال محاربة الفساد ولا يعكس التوصيات الصادرة عن مؤسسات دستورية، مثل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والهيئة الوطنية للنزاهة ومحاربة الرشوة التي طالما نادت بتعزيز دور المجتمع المدني في تتبع تدبير المال العام.

كما أن الحكومة تجاهلت دعوات قوى سياسية ومدنية وشخصيات وطنية وازنة طالبت بسحب هذا التعديل، ما يعكس انغلاقاً في التعامل مع الرأي العام وتضييقاً على العمل الجمعوي.

تبريرات وزير العدل بأن بعض الجمعيات تستغل هذه الصلاحيات للتشهير أو تصفية الحسابات لا يمكن أن تكون ذريعة لمنع الجميع، لأن معالجة التجاوزات يجب أن تتم عبر تطبيق القانون على الحالات المخالفة، لا عبر نسف الدور الأساسي للجمعيات الجادة. فمحاربة الفساد تقتضي توسيع دوائر الرقابة، لا تقليصها، وتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، لا تحصين المسؤولين من المتابعة.

إن قرار الحكومة بهذا الشأن يطرح سؤالاً جوهرياً حول مدى التزامها الحقيقي بمحاربة الفساد وتحقيق الشفافية، ويزيد من حدة الشكوك بشأن وجود إرادة سياسية فعلية لتخليق الحياة العامة.

فبينما يطالب المجتمع بمزيد من الانفتاح والمحاسبة، تقابل الحكومة هذه المطالب بسدّ الأبواب أمام أدوات الرقابة المجتمعية، ما يؤشر على عجز مؤسسي عن مواجهة الفساد في عمقه.