خالد بوبكري
في مشهد يعيد إلى الأذهان اجتياح التتار لبغداد حين دفنت الكتب تحت سنابك الخيل وعم الدمار بدل العلم، عرف مدرج كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان واقعة مؤسفة ومخزية حين منع سعد الدين العثماني الطبيب النفسي ورئيس الحكومة الأسبق من إلقاء محاضرة عادية حول الصحة النفسية.
ما حدث لم يكن مجرد احتجاج طلابي كما عشته في جامعة فاس واعرفه بل اجتياح فعلي لحرمة الكلمة والفكرة واعتداء صريح على قيم العلم والمعرفة الذي من المفروض أن نعلم أبناء هذه المؤسسة الشريفة لغة الحوار قبل لغة الشعارات.
لقد بدا المشهد وكأن تتار ومغول الغضب الأيديولوجي العبثي قد اقتحموا المدرج، لا ليختلفوا أو يناقشوا بل ليسكتوا الصوت الآخر ويغلقوا الباب في وجه العقل،تماما كما أُغلقت أبواب بغداد في وجه العلم كما تحكي لنا كتب التاريخ.
الدكتور العثماني الذي لا علاقتي لي به ولا بحزبه ، دخل إلى الجامعة بصفته طبيبا ومفكرا حسب الملصق في رحاب الجامعة، و خرج منها مرفوضا وملاحقا بشعارات سياسية رغم أن موضوع محاضرته كان بعيدة كل البعد عن السياسة.
للأسف لم تحترم فيه لا صفته العلمية ولا مكانته الوطنية ولا حتى كونه ضيفا على مؤسسة أكاديمية من المفترض أن تحترم ضيوفها.
إن تحويل الجامعة إلى ساحة لمحاكمات سياسية بأثر رجعي ومنع شخصيات وطنية من التعبير العلمي هو ضرب في عمق استقلالية الجامعة ومساس بكرامة المؤسسة قبل أن يكون مسّا بالشخص المستهدف.
لقد اختلف كثيرون مع العثماني في مواقف سياسية وتوجهاته الفكرية لكنه لم يكن يستحق أن يمنع من الحديث في موضوع علمي إنساني، كما لم تكن الجامعة تستحق أن تتحول إلى ما يشبه ساحة اقتحام ترفع فيها الشعارات بدل رفع مستوى الحوار والنقاش العلمي الرزين.
ختاما العتاب هنا ليس على الطلبة وحدهم بل على كل من صمت وساهم بصمته في تحويل الجامعة من منارة فكر إلى ساحة صراع.
عسى أن نفيق قبل أن تتحول جامعاتنا إلى أطلال جديدة على خطى “مكتبات بغداد” حيث لا صوت يعلو فوق صوت الغضب وحرب الكل ضد الكل ، ولا قيمة تمنح لصوت الحكمة.