من حياء بوعبيد إلى عبادة الصورة.. هذا ليس اتحادًا هذا احتلال!

بقلم: مصطفى الفن
دعونا نستحضر بعض الصور “المشرقة” من الماضي لعلنا نطرد “كآبة” المنظر و”قبح” هذا الحاضر..

روى لنا السي محمد البريني، مؤسس الأحداث المغربية، بعض الجوانب غير المعروفة من شخصية الزعيم الاتحادي عبد الرحيم بوعبيد رحمه الله..

وكان السي البريني، الذي اشتغل صحافيا بصحف الاتحاد الاشتراكي، يتحدث لنا بالتحديد عن تلك الكيفية التي كانوا يتعاملون بها مع السي عبد الرحيم ومع تصريحاته أو حواراته أو حتى مع نشر صوره في صحف الحزب..

السي محمد البريني روى لنا هذه الجوانب من شخصية السي عبد الرحيم في جلسة حول كوب قهوة بحضور شهود لا زالوا أحياء يرزقون..

واحد من هؤلاء الشهود أطال الله عمره هو أستاذي وصديقي المحامي السي محمد كرم..

وذكر السي محمد البريني من هذه الجوانب أن السي عبد الرحيم لم يكن يمارس أي رقابة لا قبلية ولا بعدية على ما يكتب داخل صحف الحزب..

نعم هكذا كان شأن الراحل عبد الرحيم في التعامل مع صحافة الحزب رغم أن السياق السياسي، وقتها، كان سياق “جمر ورصاص”..

وكان أيضا سياق “مواجهة مفتوحة” مع سلطة فوق القانون وفوق الدستور وتبحث عن أي مبرر ولو شكلي لخنق أي صوت معارض في ذلك الزمن..

وربما هذا ما حدث يوما ما عندما لم تنشر صحف الاتحاد “تهنئة ملكية” في مناسبة من المناسبات قبل أن يجد بعض قادة الاتحاد أنفسهم خلف القضبان..

باختصار شديد:

كان السي عبد الرحيم ذا حياء زائد..

وهذا الحياء هو الذي كان يجعله يطلب، بانتظام، من المسؤولين عن التحرير في صحف الحزب بأن يقللوا من نشر صوره..

بل كثيرا ما غضب السي عبد الرحيم غضبا شديدا إذا ما نشروا له صورة دون أن يكون هناك أي داع مهني يفرض هذا النشر..

وكان المسؤولون عن التحرير يبذلون جهودا كبيرة لعلهم يقنعون السي عبد الرحيم بنشر صوره على الصفحات الأولى لجرائد الحزب..

وليس هذا فحسب، فحتى جرائد الحزب لم يكن الراحل يطلب نسخا منها ليقرأها بالمجان..

الراحل كان يفضل أن يشتري جرائد الحزب، مساء كل يوم، من الأكشاك مع باقي الجرائد الوطنية مثله مثل أي قارئ عادي..

وحتى عندما كان السي عبد الرحيم يريد إرسال “ميساج سياسي” إلى نظام الحكم، وقتها، فإنه كان يفعل ذلك بأناقة وبرقي..

كان السي عبد الرحيم يتصل بالمسؤول عن التحرير في الجريدة لكن ليس ليملي عليه هذا “الميساج”..

لا..

كان يتصل به ليتحدث إليه مطولا لعله يقنعه بالفكرة وبصوابية الفكرة وبأهمية الكتابة عن هذه الفكرة وإرسال “الميساج السياسي” إلى من يهمه الأمر..

أكثر من هذا، كان السي عبد الرحيم يرفض أن تترجم أو تنشر بعض حواراته مع جريدة أخرى على صفحات جرائد الحزب..

أتدرون لماذا؟..

حتى تتاح الفرصة لكي تعرف تلك الجريدة..

وأيضا حتى يضطر القارئ الاتحادي أو غير الاتحادي ليشتري تلك الجريدة..

الشيء الوحيد الذي كان الراحل بوعبيد يمارس فيه ربما بعض “الرقابة المسؤولة” على صحف الحزب هو قضية الصحراء..

لماذا؟

حتى لا يشعر ب”الحرج” أمام الراحل الحسن الثاني في قضية عادلة من قضايا الوطن وفي قضية قال فيها قولته الشهيرة:

“رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه”..

هذا هو السي عبد الرحيم..

وهذه هي خصال واحد من الزعماء الاتحاديين الذين ستظل أسماؤهم مرتبطة بالسمو وبالسماء وبالقيم وبالعفة وبنظافة اليد وبالمعنى النبيل لمعنى السياسة..

وأذكر بهذا لأنه آلمني ما يرتكبه “البعض” اليوم من أفعال “جرمية” في حق الاتحاد وفي حق الاتحاديين وفي حق تاريخ حزب ارتبط تاريخه بتاريخ المغرب..

وفعلا لقد وصلت الأمور إلى حد الإدمان على “التمثيل” ب”جثة” حزب على الملأ وفي واضحة النهار وعلى شاشة التلفزيون العمومي..

والنتيجة على الأرض هي أننا أمام اتحاد ما عاد ربما صالحا لا للتسيير ولا للمعارضة ولا حتى لأبنائه الأصلاء المحكوم عليهم بالصمت..

وفعلا، فأي اتحاد هذا الذي “تحتل” صور شخص واحد جميع مقرات الحزب وجميع جرائد الحزب وجميع أنشطة الحزب؟!..

حصل هذا حتى أن هذا “المحتل” “استكثر” أن يحرر ولو بضع كلمات في حق زعيم اتحادي ووطني كبير اسمه عبد الرحمن اليوسفي احتفاء وتخليدا لذكرى وفاته قبل يومين..

بقي فقط أن أقول لهذا الذي لا يريد أن يموت:

هنيئا لك بهذا الخلود فوق الأرض..

وهنيئا لك من الآن بالولاية الرابعة..

و”العقبى” للخامسة والسادسة.. وما ذلك على الله بعزيز..
..
مصطفى الفن