من هي مارين لوبان الطامحة إلى “انتصار تاريخي” نحو الأليزيه؟

بعد 15 عاما من وصول والدها إلى مشارف الرئاسة، تأمل رئيسة “الجبهة الوطنية” مارين لوبان أن تجتاز جولة الانتخابات الأولى، مستندة على استياء الفرنسيين وتفشي البطالة وأزمة اللاجئين.

ابنة جان، أحد مؤسسي الحزب سنة 1972، والذي طرد منه قبل عام، باشرت حملتها بنداءات “الوطنية” و”الأفضلية القومية”، فقدمت نفسها على أنها “مرشحة الشعب” في مواجهة “يمين المال ويسار الملل”.

ورغم تسجيلها تراجعا طفيفا في استطلاعات الرأي في الأيام الأخيرة، تشدّدت مارين لوبان (48 عاما) في خطابها فأضافت “تعليقا للهجرة الشرعية” إلى وعودها الانتخابية.

وبعد الاعتداء على جادة الشانزيليزيه في وسط العاصمة باريس، حضت الرئيس الاشتراكي فرنسوا هولاند بنبرة شديدة إلى “انتفاضة أخيرة”، مطالبة بـ”رد أمني أكثر شمولية” في فرنسا.

وتدعو هذه المرأة، العضو في البرلمان الأوروبي، إلى الخروج من العملة الأوربية الموحدة وفرض ضرائب على المنتجات المستوردة، كما تعد بتعليق اتفاقات شنغن لحرية تنقل الأفراد داخل الاتحاد الأوروبي، وطرد الأجانب المدرجة أسماؤهم على لوائح التطرف لدى أجهزة الأمن، وإلغاء حق الجنسية للمولودين على الأراضي الفرنسية.

ولم تتوان لوبان عن القول، خلال حملتها الانتخابية: “لو طلب مني أن أصف نفسي، فأعتقد في الحقيقة أنني سأرد ببساطة أنني بما لا جدال فيه فرنسية في الصميم، باعتزاز وإخلاص. أتلقى الإهانات الموجهة إلى فرنسا كأنها موجهة إلي مباشرة”.

يتابع أنصارها من شتى الأعمار والأوساط الاجتماعية خطاباتها بانتباه شديد في تجمعاتها العامة، ويقاطعونها مرارا، هاتفين: “نحن في ديارنا”، في شعار يصفه خصومها بأنه “صيحة معادية للأجانب”، فيما تعتبره هي “صرخة حب” لفرنسا.

وغالبا ما تشهد تجمعاتها الانتخابية، حيث تتخذ وضعيات عسكرية مرتدية ألوان العلم الوطني، تظاهرات لمعارضين لها وصدامات مع الشرطة.

وعندما سرت شبهات حولها في قضية وظائف وهمية في البرلمان الأوروبي، رفضت الاستجابة لاستدعاء من القضاة، مؤكدة أنها ضحية “حملة سياسية”. وطلب القضاء الفرنسي من البرلمان الأوروبي رفع الحصانة النيابية عنها.

وقد عمدت لوبان، منذ توليها رئاسة الجبهة الوطنية، العام 2011، خلفا لوالدها الذي باتت علاقاتها معه مقطوعة رسميا، إلى استبعاد المسؤولين الأكثر تطرفا والناشطين المعادين للسامية التواقين إلى زمن فرنسا الإستعمارية وربما بالنسبة للبعض إلى نظام فيشي المتعاون مع المانيا النازية، والكاثوليك المتزمتين.

وحتمت عملية إعادة تنظيم الحزب هذه إبعاد والدها الذي كان يثير فضيحة تلو الأخرى بتصريحاته المعادية للسامية وهجماته على المهاجرين. ففي مطلع ماي 2015، وعلى أثر تصريحات جديدة معادية للسامية، صدرت عن جان ماري لوبان، وقعت القطيعة نهائيا بين الأب وابنته التي أقصته من الحزب.

وكانت استراتيجية إعادة ترتيب الحزب هذه مجدية إذ بات يحقق تقدما متواصلا في كل انتخابات.

غير أنها أثارت صدمة شديدة حين نفت مؤخرا مسؤولية فرنسا في حملة توقيفات شملت أكثر من 13 ألف يهودي في باريس إبان الاحتلال النازي للعاصمة الفرنسية، رغم اعتراف باريس رسميا بذلك منذ 1995، وواجهت بالنتيجة غضب خصومها وجمعيات يهودية وإسرائيل.

وفي سعيها لنيل مصداقية دولية، قامت بعدة رحلات إلى الخارج سمحت لها بتسجيل نقاط مميزة. ففي مطلع العام، نشرت صورا لها في بهو “برج ترامب” في نيويورك، من دون أن تلتقي الرئيس المنتخب. وفي الشهر التالي، رفضت خلال زيارة إلى لبنان، وضع حجاب للقاء مفتي الجمهورية. وفي نهاية مارس، التقت في موسكو الرئيس فلاديمير بوتين، معلنة أنه يعرض “رؤية جديدة” لـ”عالم متعدد الأقطاب”.

لم يكن أحد يميل إلى الاعتقاد بأن مارين لوبان، الأصغر بين بنات جان ماري لوبان الثلاث، والمطلقة مرتين والأم لثلاثة أولاد، وهي تساكن حاليا لوي آليو، أحد مسؤولي الحزب، سوف تخوض غمار المعترك السياسي. بل كان من المقرر عوضا عن ذلك أن تخلف شقيقتها ماري كارولين والدهما الذي هيمن على الحزب نحو أربعين عاما.

غير أن الحياة السياسية الصاخبة والمتقلبة للجبهة الوطنية والخلافات العائلية في التسعينيات فتحت الطريق أمام هذه المحامية صاحبة الطباع النارية.

في الخامس من ماي 2002، أطلت مارين لوبان، المعروفة ببأسها في المعارك السياسية إلى حد الشراسة، على الرأي العام في ليلة الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية، لتدافع بضراوة عن والدها بعدما هزم بفارق كبير أمام جاك شيراك.

هزم الوالد وطرد من الحزب وتقاعد من الحياة السياسية، لكن مارين صغرى بناته استولت على حلمه بالرئاسة وأعادت المغامرة مرة أخرى ولو بوجه مرشحين ليسوا من وزن شيراك وإن كانوا من زمنه وزمن فرنسا التي تغضب للبطالة وتراجع الفرص وانقضاض اللاجئين عليها والاعتداءات الإرهابية على أراضيها، لكن دون أن يدفعها هذا إلى السير خلف لوبان وحزبها في طريقهم إلى قصر الأليزيه الذي يبقى عصيا على كل الآتين من خارج السياق والمتحدرين من سياسات لا تهضمها روح فرنسا وديمقراطيتها العريقة.

المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *