من يروج خطاب الكراهية ضد الحقوقي لحبيب حاجي؟

سليمان الخشين

عند الأزمات والشدائد تظهر معادن الناس، تظهر الأنانية، وتظهر معها الإنسانية، يظهر التضامن، ويظهر الحقد والتشفي، لماذا خلقنا الله هكذا مختلفين في الطباع؟ هل هذه الطباع مكتسبة أم أننا نرثها في جيناتنا دون أن يكون لنا أي دخل فيها؟ كثيرون أبانوا عن أسفهم لما حدث للأستاذ حاجي (رئيس جمعية الدفاع عن حقوق الإنسان)، وتضرعوا إلى الله صادقين أن يشمله الله برحمته ويمن عليه بالشفاء. بينما آخرون لم يخفوا مشاعرهم الحاقدة واعتبروا ما حصل له عقابا من الله، وتمنوا أن يصيب الفيروس الخفي كل من هو على شاكلته.

لماذا هذا الانقسام في مشاعر الناس، لمجرد أن يعلن المرء عن آرائه وأفكاره ومعتقداته؟ أتساءل دائما هل كانت ستستمر الحياة لو كان الناس مجمعين على فكرة واحدة وعلى اعتقاد واحد؟ ألن يكون هذا إيذانا بنهاية العالم وحلول الخراب ودمار العمران؟ ودائما أستحضر هذه الآية الكريمة “ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض، ولكن الله ذو فضل على العالمين” لذلك أرى بأن سنة الله في خلقه وفضله على العالمين أن يكونوا متدافعين، وإذا توقف هذا التدافع سيختل التوازن، وسيكثر الفساد، وستنهار القيم، وسيكثر النفاق. ومن ذلك قوله عز وجل: “لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا، ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة، ولكن ليبلوكم فيما آتاكم”.

إن هذا التدافع بين الناس هو الذي صاغه “ديفيد إيستون” من خلال نظرية “المدخلات والمخرجات” فالنظام السياسي المنغلق الذي لا يعير اهتماما لتفاعلات المجتمع ومطالبه (المدخلات) ولا يستجيب لها في شكل قرارات أو قوانين أو أعمال مادية… (مخرجات) معرض للانهيار والزوال.

لماذا نحن مشحونون بثقافة الكراهية، ومن غرس كل هذا الحقد والبغض في نفوسنا، لا يمكن أن يكون الدين هو السبب، فالقرآن الكريم يقول: “ادفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم” ونبينا يقول: “الكلمة الطيبة صدقة”، فمن يكون السبب يا ترى؟ أهي خيباتنا وإخفاقاتنا المتواصلة طيلة ألف سنة لنجد لنا مكانا بين الأمم المتقدمة، حتى أصبحنا نرى بأن الآخر هو سبب تخلفنا، وأصبحنا ننعت الذي يتبنى الفكر الغربي اللبرالي العلماني تارة بالخائن العميل كما يقول رفاقنا القوميون، وتارة بالمستغربين واللادينيين والملحدين، كما يقول إخواننا الإسلاميون.

لا شك أن الأستاذ حاجي “شافاه الله” هو ومن على شاكلته ضحية ثقافة البغضاء والكراهية التي غرستها في نفوسنا مناظرات “الجزيرة القطرية” وفتاوى التكفيريين، ومشاحنات الطلبة في الجامعات واقتتالهم على فرض خطاب إيديولوجي واحد، وكأن كل فريق يملك الحقيقة المطلقة والنهج الذي سيملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت ظلما وجورا. انتصرت ثقافة الكراهية، وساهمت أموال البترول في أخونة المجتمعات العربية، ثم جاء الربيع / الخريف العربي ليجني الإسلاميون ثمرة الوصول إلى السلطة التي كان يطمحون إليها، وينسبون لأنفسهم شرف صنع ثورات كانوا بعيدين كل البعد عنها‼

ما أحوجنا اليوم إلى ثقافة التسامح والتعايش مع الآخر، واحترام حرية آراء وأفكار الأخرين. ولكن يبدو أن الطريق إلى ذلك صعب وشاق وبعيد المنال ومليء بالمطبات، لأن عقول شبابنا ملئت على مدى عقود بثقافة الكراهية، والتي أفرزت خطابا مقززا على شبكات التواصل الاجتماعي، خطاب ينصب المشانق للناس، ويصدر في حقهم أقسى العقوبات تتوزع ما بين الإعدام والرجم بالحجارة على مرأى رؤوس الأشهاد. لن يتم تغيير العقليات إلا بمناهج تربوية جديدة تغرس في نفوس أبنائنا القيم الإنسانية، وبأن كل رأي أو فكر مهما بلغ من انسجام وتكامل فإنه يبقى فكرا إنسانيا قابلا للخطأ وقابلا للمراجعة ما بين الفينة والأخرى.

ولن يتم كذلك إلا بتكوين إعلاميينا بثقافة حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا، ولن يتم في نفس الوقت إلا بتجديد خطابنا الديني الذي يجب أن يبتعد عن التكفير، وينأى بنفسه عن الخوض في الأمور السياسية، التي هي بطبيعتها خلافية ما بين أفراد المجتمع.

وفي الأخير؛ لا بد من عقلنة وتقنين ما ينشر على شبكات التواصل الاجتماعي، فكما يجرم القانون انتهاك الخصوصية والتشهير بالناس وتعريض حياتهم للخطر، من خلال نشر أخبارهم الخاصة سواء كانت حقيقية أم زائفة، فإن جريمة إشاعة فكر الكراهية والحقد بين أطياف المجتمع الواحد، تعتبر جريمة أخطر من الجرائم الإلكترونية الأخرى، لأنها تهدم أسس مجتمع متضامن مبني على الثقافة واستقرار المعاملات. فعسى أن تكون هذه الجائحة الوبائية مقدمة لنغير سلوكنا نحو قيم التضامن والتسامح.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *