ابو المهدي
عندما يفكر ينتج خرابا”..هكذا قال احد المقربين السابقين من نبيل بنعبد الله في احدى شهاداته حول الرجل ، فنبيل الذي عاش كل حياته السياسية داخل حزب التقدم و الاشتراكية ، لم يتوانى في يوم من الايام في اقحام نفسه في كل الصراعات التنظيمية التي عاشها الحزب ، بل كان في طليعة جنود الحرب المكلفين بالتصفية التنظيمية و السياسية للخارجين عن طاعة زعماء الحزب .
تسلق سلالم الترقي التنظيمي و السياسي ، حضر دائما كهاجس رئيسي عند نبيل الشاب “الشيوعي” ذو النزعة البورجوازية ، فهو حسب نفس المصدر يعتبر ان القيادة خلقت من اجله ، و هو مستعد للتضحية بكل شيء من أجل الوصول اليها .
نبيل بنعبد الله الفتى المدلل لاسماعيل العلوي وارث اختام علي يعثة ، سيتمكن بسرعة من فرض نفسه كاحد الارقام الصعبة داخل حزب التقدم و الاشتراكية ، متجاوزا اسماء و قيادات طبعت مسار هذا الحزب نضاليا و فكريا .
هذا الوجود القوي لنبيل داخل المنظومة التنظيمية للتقدم و الاشتراكية سيظهر بشكل جلي مع حكومة جطو سنة 2002، حيث قبل الحزب خلال تشكيلها بحقيبة حكومية يتيمة ، كانت من نصيب نبيل بنعبد الله كوزير للاتصال .
بغض النظر عن الحصيلة الضعيفة و الباهتة لنبيل خلال توليه لهذه المسؤولية الحكومية ، التي عرف خلالها مجموعة من الصحافيين و الصحف محن عديدة و شاقة دفعت بعضها الى الاندثار ، الا انه استطاع ان ينسج من خلال نفس التجربة كل العلاقات الممكنة و الغير ممكنة مع مع ما يطلق عليهم اليوم هو نفسه “صحاب الوقت” .
هذه العلاقات التي نسجها نبيل بنعبد الله ، ستمكنه ، مباشرة بعد انتهاء مهمته الحكومية ، و رسوبه في الانتخابات التشريعية لسنة 2007 من تدارك هذا الفشل الجماهري، بالحصول على فرصة جديدة تمكنه من اعادة الاعتبار لمساره السياسي ، كأحد الاقوياء داخل التقدم و الاشتراكية .
تعيين بنعبد الله على راس السفارة المغربية بروما ، شكل بالنسبة له طوق نجاة يمكنه من التقاط انفاسه السياسية و التنظيمية ، من اجل عودة قوية تجعله على راس حزب التقدم و الاشتراكية.
هذا التعيين سرعان ما سيتلاشى بعد اقل من ثلاثة اشهر من توليه لهذا المنصب الدبلوماسي ، بسبب ما اطلقت عليه الصحافة الوطنية انذاك ” التصرفات الاستبدادية لزوجته” و تدخلها في صلب العمل الدبلوماسي للسفارة ، و تسببها في ازمات ،عجلت برحيله عن هذه السفارة ، ليشكل اول سابقة في تاريخ العمل الدبلوماسي المغربي، كاسرع سفير يغيره المغرب بعد شهرين من تعينيه .
الضربة الموجعة التي تلقاها نبيل بنعبد الله و التي كادت تعصف بكل طموحاته و احلامه السياسية ،ستشكل نقطة تحول عميقة في نفسية الرجل ، و ستدفعه الى كتم غيضه و حنقه على من اعتبرهم السبب في هذه الانتكاسة.
رجوع بنعبد الله الى المغرب بعد “طرده” من على رأس سفارة المغرب بروما ، سيدفعه الى اعادة ترتيب اوراقه السياسية و التنظيمية ، كما سيزيد من اصراره على الابقاء على ولاءاته السابقة و علاقاته المنسوجة افقيا و عموديا .
خلال هذا الفصل الجديد من حياته السياسية ، سيعمل نبيل بنعبد الله على نهج مفهوم التقية من خلال بعث كل رسائل الاطمئنان الممكنة ، كرجل دولة بامتياز ، يعرف حدوده جيدا و يسعى في صلاحها و توجهاتها الرسمية ، حيث وصلت هذه الرسائل الى ذروتها عندما وقف سدا منيعا و حصينا داخل حزبه ضد كل الاصوات المنادية بتبني مطالب حركة 20 فبراير و الخروج في مسيراتها .
كل المؤشرات كانت توحي ، بان نبيل سيبقى وفيا لنهجه السياسي و لعلاقاته التي نسجها ،و التي عبدت الطريق نحو توليه الامانة العامة لحزب التقدم و الاشتراكية ، الا ان هذه المؤشرات ستتلاشى مباشرة بعد انتخابات 2011، و انخراطه الهستيري في بناء تحالف سياسي استراتيجي مع حزب العدالة و التنمية الاسلامي ، مكنه من الحصول على مقاعد وزارية تفوق بكثير حجمه الانتخابي و السياسي.
هذا التوجه الجديد لنبيل بنعبد الله فسرته مجموعة من المصادر بتوفر هدفين اساسين لدى بنعبد الله ، يتمثل الاول في سعيه الى رد الدين لمن يعتبرهم مساهمين في الانتكاسة المذلة التي تعرض لها على رأس سفارة المغرب بروما ، باعتقاده ان الوضع قد تغير في المغرب و لم تعد لهم قدرة على الفعل السياسي، و ان الزمن هو زمن الاسلاميين ، و الهدف الثاني هو استغلال العدد الكبير للوزارات التي منحت له ، لبناء جسم تنظيمي جديد يقوم على الولاء و على “الوزيعة ” .
الدخول العددي القوي لنبيل بنعبد الله الى حكومة بنكيران سيزيد من سطوته الحزبية ،و سيمكنه من التخلص من كل منافسيه من ابناء التقدم و الاشتراكية المعارضين له ، و من ابرزهم سعيد السعدي القيادي الوفي للمبادئ و التوجهات التقدمية للحزب .
تحالف بنعبد الله مع الاسلاميين ، لن يكون بدون ثمن ، فالحزب فقد هويته ، و تحول الى ملحقة لحزب العدالة و التنمية ، يساير توجهاتهم و مخططاتهم للاستيلاء على مفاصل الدولة ، و يغطي سياسيا على كل النزوعات الاستفرادية التي برهنوا عليها خلال ممارستهم الحكومية .
هذا الثمن ستظهر كلفته الباهظة خلال الانتخابات التشريعية الاخيرة ، حيث لم يتمكن الحزب من الحصول سوى على ثمانية دوائر انتخابية ، في مقابل تصدر الاسلاميين لهذه الاستحقاقات بعدد مقاعد يفوق عشرات المرات ما حصل عليه حزب بنعبد الله .
و رغم هذه الخسارة المدوية ، التي اثبتت فشل توجهات حزب التقدم و الاشتراكية الجديدة ، لم يجد بنعبد الله بد من الاستمرار في الاستقواء بالاسلامين بعد ان وضع بيضه كاملا في سلتهم ، من خلال استجداء عطفهم لتقدير مواقفه معهم ، بالحصول على بعض الحقائب الوزارية .
تغير المعطى التنظيمي داخل حزب العدالة و التنمية ، بعد ازمة تشكيل حكومة بنكيران ، سيغير كل المعطيات داخل هذا التحالف الذي جمع بين الاسلاميين و بنعبد الله ، و سيجعل من نبيل عبأ ثقيل عليهم ، لم يتوانى مجموعة من القيادات الاسلامية في التعبير عنه جهرا .
فتور العلاقة بين بنعبد الله و الحاكمين الجدد لحزب العدالة و التنمية ، سيظهر بشكل جلي ، اثناء ما عرف بازمة ” مشروع منارة الحسيمة ” حيث كان بنعبد الله من ضمن الوزراء الذين تبث تورطهم في التقصير في تفعيل هذا المشروع الملكي و ما ترتب عنه من تداعيات مجتمعية بالمنطقة ، حيث لم يبدي الاخوان اي تعاطف مع بنعبد الله المطرود للمرة الثانية من المسؤولية .
نبيل بنعبد الله الذي احتمى خلف شعارات الديمقراطية و تجديد النخب و احترام القانون ،سرعان ما سيضرب كل هذه المبادئ عرض الحائط ليكرس نفسه امينا عاما للمرة الثالثة على التوالي على راس حزب التقدم و الاشتراكية ، بتغير قوانين الحزب التي تمنع ذلك .
استمرار بنعبد الله في مسلسل تحدي الكل عبر تكريس منطق “انا وحدي مضوي البلاد”و “انا التقدم و الاشتراكية” ، سيجعله يرتكب مجموعة من الاخطاء الفردية القاتلة ، التي بدأ الحزب ككل يدفع ثمنها .
بنعبد الله الذي استفاق اليوم على وقع تخلي الاسلاميين عنه في منتصف الطريق ، يدفع حزبه الى اتخاذ قرار الخروج من الحكومة ، و هو يعلم علم اليقين ان هذا القرار سيحرق ما تبقى من اوراق داخل هذا الحزب ، و ربما سيؤدي الى اندثاره و تفككه ، مما يزكي ما تطرحه بعض الاصوات التي بدأت تتعالى داخل التقدم و الاشتراكية بما يفيد ان نبيل “داير سياسة الارض المحروقة ” او بمعنى اوضح ” انا و بعدي الطوفان”.
هذه النهاية المؤلمة لنبيل بنعبد الله ، راجعة بالاساس الى عدم قدرته على فهم حقيقة وحيدة و واضحة ” المغطي بالاسلاميين راه عريان السي نبيل ” .