نوفل البعمري
بغض النظر على مضامين الأغنية التي ليس الضرورة ان نتفق معاها،كما أنه ليس بالضرورة عندما نعلق نتبنى مضامينها فالأمر في نهاية المطاف اذواق، لكن بالضرورة علينا أن نفهمها و نفهم أسباب هذا النوع من التعبير الذي برز مع بداية الالفية، و كان الراب بعدها قد بدأ يميل نحو الاعتدال ليعود في الثلاث سنوات الأخيرة إلى سابق عهده، أكثر فوضوية و عنفا و سخطا…
و الكثير من الظواهر تحليلها و فهمها افضل من مهاجمتها فقط، لذلك و كما قلت في تدوينة سابقة، هذه الأغنية قد نعتبرها نحن غير عادية لكنها عادية في عالم الراب، و المغرب كانت له سوابق كبيرة و كثيرة في تاريخ علاقة الدولة بالموسيقى الشبابية على رأسها الراب…..و محاولات الاحتواء بعد مرحلة المنع و المحاكمات و الحصار.
لنفهم جيدا هكه الأغنية و باقي الاغاني الاحتجاجية فما علينا إلا أن نعود إلى لتقرير المجلس الاقتصادي و الاجتماعيالذي قدمه رضا الشامي للملك، خاصة في المحور الخاص و المتعلق بالحركات الاحتجاجية الجديدة و أساليب التأثير و التأطير التي استعملت فيها،فالتقرير قدم نماذج لتلك الاحتجاجات و طرق التعبئة فيها الغير التقليدية، قدم كمثال حملة المقاطعة التي استهدفت منتجات محددة، و التعبئة لاحتجاحات الحسيمة و جرادة الذي قام التقرير بتفكيكها كلها بشكل علمي، سوسيولوجي جد متقدم.
و خلص إلى أنه أمام ضعف وسائل التعبئة التقليدية تم اللجوء لوسائل بديلة للتأطير و الحشد و التعبير عن السخط من بعض أوجه الحياة الاجتماعية و الاقتصادية…
هذه الأغنية و قبلها اغاني البيغ بداية 2000 و اغاني الالتراس على راسها اغنية فبلادي ظلموني التي تحولت إلى عنوان و شعار للاحتجاج في عدة مناسبات… و ستاتي بعدها اغاني و اناشيد أخرى كتعبير عما سماه التقرير نفسه بالوسائل الجديدة للاحتجاج و التعبئة الجماهيرية،و ستتطور وسائل التأطير مع استمرار تفكك الوسائط التقليدية.
الطبيعة لا تخشى الفراغ…
عندما كانت هناك أحزاب قوية و نقابات أقوى و أدوات تعبئة جماهيرية تقودها قيادات و شخصيات وطنية..و اتحاد كتاب المغرب و اللعبي و الجابري و…
قابلتها في الشارع ناس الغيوان و المشاهب و السهام و الاغاني الملتزمة و مجلة أقلام و شراع و….
و عندما تراجعت الأحزاب و تفككت….و تغيرت القيادات و مفهومها، و ضربت الشعبوية أطنابها و تحولت لنموذج….
قابلتها في الشارع وسائل تعبير جديدة فوضوية كالفوضى التي خلفها تراجعها…. اكثر شعبوية و سوقية احيانا بدون أدوات تنظيمية.
الموسيقى و الفن و الثقافة مثلهم مثل الطبيعة، يخشون الفراغ، و عندما يحصل هذا الفراغ سيملأه ولد الكرية و ما هو أسوء منه….