هاشتاغ:
نوفل البعمري يكتب: لجنة النموذج التنموي.. ملاحظات تأسيسية!!
فور الإعلان عن تشكيلة اللجنة الملكية المكلفة بإعداد النموذج التنموي وانطلاق أولى اجتماعاتها، الممهدة لانطلاق عملها الذي من المفترض أن ينتهي متم يونيو بتقديم الخلاصات الأساسية حول المشروع والنموذج التنموي الذي يحتاجه المغرب لتحقيق نهضته الاقتصادية والاجتماعية وتجاوز حالات “التشوهات” التي عرفها الاقتصاد المغربي نظرا لعدم قدرته على تحقيق العدالة الاجتماعية وفي قلبها العدالة المجالية كأحد محددات المؤشر التنموي لكل بلد.
لجنة النموذج التنموي وهي تتقدم في عملها للوصول للصيغة المثلى للإجابة على كل الأسئلة المعلقة بالتنمية في المغرب لا بد من أن إبداء الملاحظات التالية للتأسيس لعمل يستجيب لتطلعات الملك والشعب في إخراج هذا المشروع للوجود، ذلك من خلال الانطلاق مما يلي:
اللجنة وعملها هو تقني بالأساس وليس سياسيا ولا بديل عن المؤسسات المنتخبة والسلطتين التنفيذية والتشريعية، بمعنى أن ما يمكن أن يثار من نقاش حولها خاصة الدستوري والسياسي منه، وكما سبق للملك أن أكد على ذلك أنها ليست بديلا عن الحكومة والأحزاب والمؤسسات، ليس المقام لطرحه، اعتبارا لكون عملها تقنيا واستراتيجيا سيحدد أسباب فشل وانحصار النموذج السابق، أي التشخيص، وكيفية تحقيق الإقلاع الاقتصادي المنشود لمواكبة الإصلاح السياسي الذي شهده المغرب مع دستور فاتح يوليوز، إذ أن هذا الإصلاح المؤسساتي ومع استمرار تعثر المغرب تنمويا، كان يعطي انطباع وكأننا نسير بسرعتين، سرعة سياسية ومؤسساتية متقدمة تسير بخطى ثابتة نحو الإصلاح منذ إقرار دستور فاتح يوليوز، وعجلة اقتصادية متعثرة أثرت سلبا على التنمية ومؤشراتها وطنيا، ومحليا، إننا أمام لحظة تقارب وتشبه الدينامية التي انخرط فيها المغرب مع خطاب 9 مارس وما تلته من إصلاحات دستورية ومؤسساتية.
المغرب له سابقة في عمل مثل هذه اللجان، كلجنة تعديل الدستور التي تظل المشاورات الواسعة التي أطلقتها نموذجا جيدا، وجلسات الاستماع التي نظمت بمناسبة عمل هيئة الإنصاف والمصالحة، حيث يمكن اعتماد أسلوبيهما أو أسلوبا قريبا منهما يحقق المشاورات الواسعة التي على اللجنة القيام بها مع مختلف الفاعلين سواء كانوا حزبيين، نقابيين، مدنيين، نساء، شباب، مقاولات صغرى ومتوسطة، أي الاستماع لوجهات نظر مختلف المعنيين بهذا النموذج قصد تضمين مختلف المقترحات والمخرجات في المشروع.
اللجنة وهي تنطلق في عملها يجب أن تستحضر الحاجيات الملحة والآنية لمختلف الفئات الاجتماعية لتحقيق العدالة والمساواة، والحد من مختلف مظاهر الهشاشة الاجتماعية التي كانت موضوع نقد ملكي ومجتمعي، وكانت المسبب الرئيسي وراء ازدياد حجم المظاهرات الاجتماعية غير المنظمة، كانت إحدى تمظهراتها الصارخة هو ما تعلق بالفوارق المجالية التي حولت الهوامش بالجهات والمدن إلى عامل توتر بسبب عدم استفادتها من الثروة، وتعرضها لتهميش أحدث نوع من الفارق بينها وبين الجهات والمدن التي تمركزت فيها المشاريع الكبرى، مما أحدث نوعا من الفوارق انعكس على ساكنتها وأدى إلى خلل اجتماعي خلق ضغطا مجاليا محليا في كل مناسبة ينفجر هنا أو هناك.
اللجنة عليها أن تقرأ بشكل جيد الحركات الاحتجاجية داخل المجتمع، خاصة منها التي عرفها المغرب أخيرا كانت ذات طابع قوي، متنام، تمركزت في المدن البعيدة عن المركز وكانت قياداتها مفصولة نهائيا عن كل ما هو منظم ومؤطر من أحزاب، نقابات وجمعيات، مع ما طرح من أسئلة حول وسائل الوساطة، بمعنى أنه يجب قراءة علاقة الحركات الاحتجاجية بوسائل التأطير المجتمعي والمساحة التي خلقت بينهما إلى الحد الذي دفع أغلب الحركات الاحتجاجية إلى رفض مختلف وسائل الوساطة عن حق أو باطل، مما خلق تعقيدات مضاعفة للمحتجين وللدولة خاصة عندما تحولت هذه الحركات في مواجهة مع مؤسسات الدولة.
اللجنة عليها تحليل مختلف المسارات و الاختيارات الحكومية على مر السنين، السياسات الاجتماعية التي أوصلت الوضع إلى هذه الاختلالات المجالية مما انعكس على مستوى توزيع الثروة مجاليا، بين الجهات وداخل الجهة بين الأقاليم، وهو توزيع أدى إلى إحداث فوارق مجالية خطيرة انعكست على الجهات، ثم ما بين المدن والأقاليم في الجهة الواحدة، وإذا ما ربطنا الأمر بتلكؤ سياسي من طرف الحكومة في ما يتعلق بالبطء الإداري الكبير على مستوى تنزيل مشروع الجهوية الموسعة، وما يقترن معه بإعادة هيكلة جديدة على مستوى الجهات والأقاليم كل حسب حاجياته واحتياجاته المحلية، والمجالية، فالأمر أدى إلى الانتقال من مستوى المغرب النافع وغير النافع، إلى الجهات والأقاليم النافعة وأخرى غير نافعة، بل تحول بعضها إلى عبء بسبب هذه الاختيارات على مراكز الجهات بفعل الضغط المتزايد على إقليم أو مدينة واحدة من خلال الهجرة الكبيرة نحو مدن بعينها كطنجة في الشمال، الدار البيضاء، اكادير، مراكش… وهو ضغط تسبب في بروز اختلالات اجتماعية كبيرة مع ما صاحبها من تفاوتات مجالية واجتماعية، وهو ما تسبب في انفجارات اجتماعية محلية ببعض المدن الصغرى، صفرو، الحسيمة، جرادة….
اللجنة مطالبة بتحليل المتغيرات العديدة التي شهدها الحقل الشبابي المغربي خاصة في العشريتين الأخيرتين ومختلف المتغيرات التي عرفتها هذه الفئة، في علاقتها بالتعليم خاصة الجامعي منه وتخصصاته ذات العلاقة بالاقتصاد، في علاقتها بالثقافة، في علاقتها بالفن، في علاقتها بالدولة في علاقتها بفعل الاحتجاج وممارسته وهو ما سيكون موضوع مقالة مستقلة مقبلة.
إن هذه الملاحظات محاولة للمساهمة في النقاش العمومي حول عمل اللجنة ومستقبل المغرب التنموي والاجتماعي.