بقلم: خالد بوبكري
المغرب اليوم ليس كما كان بالأمس. ما كنا نظنه قواعد راسخة في صناعة النخب وإدارة الشأن العام، تحولت إلى كومة من السراب. لعقود، كان الوطن بحاجة إلى كفاءات حقيقية، رجال ونساء يمتلكون الخبرة والمعرفة، يتم إعدادهم ودمجهم في المشهد السياسي عبر الأحزاب الوطنية، ليصبحوا القادة الذين يديرون الدولة بكفاءة وشرعية.
لكن في عهد عزيز أخنوش، تغيّر كل شيء، لم تعد الكفاءة معياراً، ولم تعد الأحزاب مؤسسات لتكوين القيادات، ما نراه اليوم هو حكومة ولاءات، شبكة مصالح تخدم أهدافاً ضيقة، وشخصيات يتم تنصيبها في مناصب عليا دون أي اعتبار للخبرة أو الاستحقاق. حتى صرن أمام مشهد سياسي جديد، حيث يتقلد المناصب من لا يفقهون في القطاعات التي يُكلفون بتسييرها، وحيث تحكم الحكومة بمنطق “الولاء” بدل منطق الإستحقاق السياسي والشرعية النضالية.
تخيلوا وزيراً لم يلتق برئيس حزبه إلا في رحاب القصر الملكي أثناء تأدية القسم أمام جلالة الملك، نعم هذا حدث في حكومة أخنوش، فهؤلاء الوزراء ليسوا سوى واجهات، ألوان حزبية صورية تُستخدم لتجميل المشهد، بينما السلطة الفعلية تُدار من خلف الستار، بيد نخبة اقتصادية تمسك بخيوط اللعبة.
لندخل في صلب الموضوع. فحكومة أخنوش تضم حوالي 75% من الوزراء الذين يُطلق عليهم “تقنوقراط”، بينما لا تتجاوز نسبة الوزراء ذوي الخلفية السياسية 25%، هذه النسبة لم يسبق لها مثيل حتى في أكثر الحكومات التكنوقراطية في تاريخ المغرب، لكن الحقيقة أن هؤلاء “التقنوقراط” ليسوا سوى رجال ولاءات، تمت ترقيتهم إلى مناصبهم لخدمة أجندة واحدة: تأمين نفوذ رئيس الحكومة ومصالحه الاقتصادية.
خذوا مثلاً تعيين أمين التهراوي وزيراً للصحة والحماية الاجتماعية، فالرجل الذي لم يعرف عنه سوى قربه من دوائر أخنوش، جاء من عالم التسوق وإدارة المراكز التجارية حيث كان مستخدماً لدى حرمه، ليقود قطاعاً يتطلب فهماً عميقاً للنظام الصحي وتعقيداته. هل هذا تعيين مبني على الكفاءة؟ أم أنه محاولة لتوسيع قبضة العائلة الاقتصادية على قطاع استراتيجي مربح؟
ثم لدينا محمد سعد برادة، رجل الأعمال المعروف وشريك رئيس الحكومة، الذي انتقل فجأة من إدارة أنشطته في مجالات الأدوية والبناء وصناعة الحلويات إلى رأس هرم وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة.
والكل يعلم أن التعليم في المغرب يعيش أزمة هيكلية عميقة، يتطلب معها قيادة تمتلك رؤية شاملة ومعرفة دقيقة بالميدان النقابي والسياسي، فهل يُعقل أن يُوكل هذا الملف الحساس إلى رجل لم تطأ قدمه يوماً عتبات العمل النقابي أو الميدان التربوي؟
ما يحدث ليس مجرد تعيينات خاطئة، بل هو جزء من استراتيجية أعمق تهدف إلى السيطرة الكاملة على مفاصل القطاعات الاجتماعية. قطاع الصحة، على سبيل المثال، لم يعد مجرد قطاع عمومي لخدمة المواطنين، بل أصبح ساحة مفتوحة لاستثمارات رهيبة. أحد أكبر الصفقات في تاريخ الأدوية بالمغرب، بقيمة تتجاوز 2 مليار درهم، تمت من قبل صهر عزيز أخنوش، ما يطرح علامات استفهام حول العلاقة بين المصالح الشخصية وتسيير الشأن العام.
هذا الوضع يجعلنا نتساءل: هل نحن أمام حكومة تدير شؤون الشعب؟ أم أننا أمام شركة عائلية تمتد جذورها الى كافة القطاعات الحيوية؟
فخكومة أخنوش ليست سوى امتداد لمصالح اقتصادية، حيث يتم تسييرها بمنطق “من يدفع أكثر” و”من هو الأكثر ولاءً”. في الوقت الذي يكافح فيه المواطن المغربي مع ارتفاع الأسعار، وتدهور الخدمات الصحية والتعليمية، نجد الحكومة منشغلة بتوزيع المناصب والغنائم بين “أبنائها المرضيين”.
لقد اختار أخنوش دفن السياسة وقتل روحها، فالحكومة التي يُفترض أن تكون أداة لتجسيد إرادة الشعب، تحولت إلى أداة لتنفيذ أجندة نخبة اقتصادية ضيقة، هذه ليست حكومة، بل مشروع اقتصادي خاص، يُدار بأيدي مقربين وأتباع، لا يرون في الحكومة سوى فرصة لتعزيز ثرواتهم ونفوذهم.
والسؤال الذي يفرض نفسه: إلى أين نحن ذاهبون؟ كيف يمكن لحكومة بهذا التكوين أن تواجه تحديات المغرب الكبرى؟ من أزمة التعليم والصحة، إلى ارتفاع تكاليف المعيشة، والبطالة؟ الإجابة واضحة: لا شيء سيتغير طالما أن الحكومة تدار بمنطق الولاء والمصلحة، وليس بمنطق الكفاءة والمصلحة الوطنية.
المغرب اليوم يقف على مفترق طرق خطير إما أن يتم تصحيح المسار، وإعادة الاعتبار للكفاءة والشرعية السياسية، أو أن نواصل السير نحو هاوية تفقد فيها الحكومة مصداقيتها، وتصبح مجرد أداة في يد قلة تحتكر الثروة والسلطة.
المعركة ليست فقط معركة إصلاح حكومة أو تغيير بعض الوجوه، بل هي معركة استعادة روح السياسة وإعطاء هامش أكبر للفاعل السياسي في الاقتراح والتقرير، وإعادة الأمور إلى نصابها. إن لم يتحرك الشارع السياسي والمجتمعي لفرض المحاسبة، فإن القادم سيكون أشد سوءاً!!.