وكالات
يمكن اعتبار اعتقال رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، فجر أول من أمس، الحدث السياسي الأبرز في عهد «حزب العدالة والتنمية»، بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في الـ15 من تموز 2016. ذلك أن إمام أوغلو ليس زعيماً هامشيّاً أو عاديّاً، بل الأكثر قوّة في صفوف المعارضة لمنافسة الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، الذي في ذروة سيطرته على السلطة، كان إمام أوغلو يَخترق أهمّ حصن لحزبه، «العدالة والتنمية»، وهو بلدية إسطنبول، عندما فاز عام 2019 فيها.
وبعدما انتصر زعيم الحزب الحاكم، في انتخابات عام 2023، ظنَّ أن استعادة «البلدية الكبرى»، في الانتخابات التي جرت قبل عام واحد، من إمام أوغلو، ستكون لقمة سائغة.
لكن المفاجأة كانت بتحقيق هذا الأخير أكبر انتصار في تاريخه ضدّ مرشّح السلطة، مراد قوروم، وبفارق كبير بلغ 12 نقطة (51% مقابل 39%)، أو ما يقارب المليون صوت.
وبيّنت استطلاعات الرأي، في الأسابيع الأخيرة، أنه يمكن لإمام أوغلو هزم إردوغان في ما لو جرت الانتخابات الرئاسية اليوم، وبفارق يصل إلى أربع نقاط (44% مقابل 40%)، كما أظهرت تقدُّم «حزب الشعب الجمهوري» على «العدالة والتنمية» بأربع نقاط، بعدما كانت شعبية الأخير قد تحسّنت قليلاً في أعقاب سقوط نظام بشار الأسد.
وأكثر من ذلك، بدأ إمام أوغلو استعداداته لمواجهة إردوغان، من بوابة الانتخابات التمهيدية في «حزب الشعب الجمهوري»، والهادفة إلى تحديد مرشّح الأخير للرئاسة اعتباراً من الآن.
وبدا مفاجئاً بالفعل، قرار الرئيس التركي، التحرُّك، منذ الآن، لمواجهة خصمه، رغم أنه لا تزال هناك ثلاث سنوات (أيار 2028) حتى موعد الاستحقاق الرئاسي. ومثلما فعل عشيّة انتخابات 2023، وقطع الطريق على «منافسه»، عبر فبركة تهمة تحقير «اللجنة العليا للانتخابات» عام 2019، ها هو يكرّر المحاولة مجدّداً. وهذه المرّة، لم يترك رئيس الجمهورية القضاء يأخذ مجراه، احتراماً للقاعدة الشعبية التي انتخبت إمام أوغلو، بل ذهب مباشرة إلى الأمر، عبر القضاء نفسه، باعتقال الرجل، وبتهمة كبيرة: الفساد، وبتهم أغرب وأكبر، وهي أنه تحوّل إلى رئيس «منظمة إرهابية» تدعم «حزب العمال الكردستاني».
على أن ذلك لم يَعُد مجرّد صراع سياسي تُستخدم فيه الأسلحة المشروعة ديموقراطيّاً، بل محاولة إعدام سياسية تطال إمام أوغلو وكل الحياة السياسية في تركيا، ولا ينقصها سوى تقديم الرجل إلى مقصلة الإعدام في عملية مقلوبة: أي إن الحاكم يعدم زعيم المعارضة، بدلاً من أن يتقدّم الجيش – كما فعل مع رئيس الوزراء عدنان مندريس عام 1960 – ويشطبه من الحياة السياسية، بانقلاب أوصله إلى ساحة الإعدام. ولعلّ السبب الرئيسي الذي يدعو إردوغان إلى ما تقدّم، خوفه من أن تجرف شعبية إمام أوغلو، الأرض تحت قدميه، خصوصاً أن الأرضية الاقتصادية التي يقف عليها الرئيس وحزبه، هشّة جدّاً لجهة الانهيار الاقتصادي والتضخّم (82%) وانهيار القدرة الشرائية للمواطن.
أيضاً، تعكس استطلاعات الرأي رغبة 60% من الأتراك في انتخابات رئاسية مبكرة، نظراً إلى حجم التوتّر الداخلي الحاصل، فيما يأمل إردوغان ربما في تبكير الانتخابات (رغم نفيه لهذا التوجه) في حال تعديل الدستور بما يخوّله الترشّح للرئاسة، الأمر الذي يتطلّب استكمال عدّة الانتخابات، بتصفية إمام أوغلو باكراً.
ومن هنا، فإن اعتقال شخصية سياسية بحجم رئيس بلدية إسطنبول، بتهم واهية وضعيفة، ليس حدثاً عاديّاً، وهو ما استدعى نداء التحشيد الذي أطلقه زعيم «حزب الشعب الجمهوري»، أوزغور أوزيل، للنزول إلى الشارع الأحد المقبل، والتصويت في انتخابات الحزب التمهيدية لـ«رئيسنا المقبل أكرم إمام أوغلو»، و«دفاعاً عن الديموقراطية».
وليس مستبعداً أن تؤثّر تلك الخطوة المستغربة والمستعجلة من قِبَل إردوغان، على مسارين: أولهما، عملية حلّ المشكلة الكردية، حيث ستتصاعد الشكوك حيال نوايا الرئيس التركي؛ وثانيهما، محاولة إردوغان تعديل الدستور ليتمكّن من الترشّح لولاية رئاسية جديدة. وفيما اكتفت الصحف الموالية بإبراز خبر اعتقال إمام أوغلو، كان إردوغان يدلي بتعليقه الأول على الحدث، مساء أمس، حين قال إن “المعارضة لا تردّ على مزاعم الفساد، وبدلاً من ذلك تخدع الناس بشعارات سياسية”، معتبراً أنها تسعى إلى “التغطية على أخطاء داخلية بأخطاء أكبر”، لكنه أشار إلى أنه “لا وقت لدينا كحزب أو تحالف أو حكومة لنضيعه على مسرحيات المعارضة”.