لا تزال فريضة الحج، الركن الخامس من أركان الإسلام، تمثّل حلمًا روحيًا عظيمًا يراود قلوب المسلمين في كل بقاع الأرض، وعلى رأسهم المغاربة الذين يُعرف عنهم شوقهم الكبير لزيارة بيت الله الحرام. غير أن هذا الحلم المقدس بات يصطدم بواقع اقتصادي صارم، حيث أصبحت تكاليف الحج تفوق بكثير قدرة شرائح واسعة من المواطنين، مما يثير تساؤلات مشروعة حول مدى انسجام هذا الوضع مع الشرط القرآني الصريح: “من استطاع إليه سبيلا”.
البرلمانية فاطمة الكشوتي عن حزب الحركة الشعبية، لم تكتف بإثارة هذا الموضوع في النقاش المجتمعي، بل اختارت أن تحمله إلى المؤسسة التشريعية من خلال سؤال كتابي وُجه إلى وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، سلّطت فيه الضوء على ما وصفته بـ”الغبن” الذي يشعر به المواطن البسيط، أمام ما بات يُ perceived كامتياز لفئة ميسورة فقط، قادرة على دفع أكثر من 63 ألف درهم دون احتساب المصاريف الإضافية.
من الناحية الدينية، يرتبط أداء فريضة الحج بمفهوم “الاستطاعة”، وهو شرط لا يقتصر على القدرة الجسدية فقط، بل يشمل أيضًا الاستطاعة المادية. إلا أن فهم هذا المفهوم، كما تبيّنه البرلمانية، يجب أن لا يُختزل في تحميل الفرد وحده مسؤولية تدبير التكاليف، بل ينبغي أن يُقاس على ضوء العدالة الاجتماعية وإمكانات الدولة في تسهيل أداء الشعائر.
وبالتالي، فإن رفع تكلفة الحج إلى أرقام صادمة في سياق اقتصادي صعب، يجعل من الواجب إعادة النظر في الطريقة التي تُدار بها ملفات التنظيم والوساطة والتكاليف. هل الأسعار واقعية؟ هل هناك هامش للربح؟ هل التوزيع عادل؟ أسئلة ملحّة تحتاج إلى شفافية ومساءلة.
الكشوتي اقترحت مجموعة من الإجراءات التي من شأنها تخفيف العبء، مثل مراجعة تسعيرة الحج، واعتماد الحج بالتقسيط، وتوسيع برامج الدعم الاجتماعي لفائدة ذوي الدخل المحدود، وكلها مقترحات واقعية يمكن تنزيلها بشراكة بين القطاعات الوزارية والبنوك والمؤسسات الدينية. إلا أن السؤال الأكبر يظل: هل هناك إرادة سياسية كافية لتغيير هذا الواقع، أم سيبقى الحج حكرًا على من يستطيع دفع الثمن، لا على من استطاع “إليه سبيلًا” بالمعنى الشرعي؟
في النهاية، لم تكن مبادرة النائبة مجرد طرح برلماني، بل ناقوس خطر يدق في وجه تزايد الفجوة بين روح الدين وسلوك الدولة. وإذا كان الحج اختبارًا فرديًا للنية والإخلاص، فإن تيسيره اختبار جماعي للعدالة والتكافل.