هل تصبح إيفانكا ترامب رئيسة للولايات المتحدة الأمريكية؟

في سيرتها الذاتية بعنوان ” الورقة الرابحة: اللعب من أجل الفوز في العمل والحياة “، وصفت ابنة دونالد ترمب الكبرى إيفانكا حادثة كان والدها وزوجته الثانية مارلا مابلز بطليها. كان المفترض أن تستقل الأسرة طائرتها الخاصة إلى فلوريدا، لكن مابلز تأخرت. وبينما كانوا على وشك الإقلاع، متأخرين بنحو خمس دقائق فقط عن الموعد المحدد، رأت إيفانكا سيارة تتوقف عند مدرج الإقلاع. اندفعت مابلز خارجة من السيارة، ولكن عندما أشارت إيفانكا إلى وصولها، رفض والدها إيقاف الطيار. واضطرت زوجته التي انتابتها نوبة من الغضب الشديد إلى مراقبة طائرتهم من على المدرج وهي تتوارى خلف السحب.

قد يتصور المرء أن سلوك ترمب قاس وعديم الرحمة. وربما يرى المرء في هذا محاولة فارغة يحركها غروره لتأكيد سيطرته على أولئك الذين يقصرون في طاعته. ولكن في نظر إيفانكا، كان ذلك درسا حيا ضروريا في الانضباط والالتزام بالمواعيد. بعد عقود من الزمن، يبدو أن إيفانكا استوعبت العديد من تعاليم والدها في القسوة، وأضافت إليها قشرة من وحي قصة “زوجات ستيبفورد المطيعات”، وأثبتت نفسها باعتبارها وريثة والدها الأشد هولا ــ وخطورة.

قبل خمس سنوات، ما كنت لأضيع لحظة واحدة في التفكير في إيفانكا ترمب. كنت لأترك بكل سرور حياتها كشخصية مشهورة ــ أولا كعارضة أزياء، ثم كمديرة تنفيذية لشركة الأزياء التافهة التي تمتلكها ــ للصحف الشعبية الصفراء. وما كنت لأكتب أبدا عن والدها أيضا. لكن استيلاء هذه الأسرة المطلية بالذهب على قسم كبير من الحياة السياسية، والذهنية، بل وحتى الروحانية في أميركا لا يترك مجالا للاختيار سوى الاهتمام بالأمر.

هذا ليس فقط لأن رب هذه الأسرة خدم فترة كرئيس للولايات المتحدة. فتماما كما جعل ترمب جميع أبنائه البالغين نواب رئيس في منظمة ترمب، نجد أنه حول بيته الأبيض إلى فرع فاشل آخر من أعمال الأسرة. ومن منظور إيفانكا، كان هذا يعني التحول إلى “كبيرة مستشارين” للرئيس. وبعد أربع سنوات، بدون إي إنجازات مرتبطة باسمها، يبدو أنها تستعد لحياة مهنية سياسية خاصة بها.

على نحو أو آخر، ليس أمام إيفانكا مجال للاختيار غير احتضان السياسة. فقد بنت حياتها المهنية على اسم أسرتها. كانت وظائفها في عرض الأزياء تعتمد على مكانة والدها وإرث والدتها إيفانا كعارضة أزياء. وكانت علامتها التجارية في عالم الأزياء ببساطة مجرد تصميمات أشخاص آخرين، واسمها على الملصق.

ولكن بعد رئاسة ترمب الخبيثة، أصبح اسم ترمب ساما في عالم الأزياء. حتى أن كبار تجار التجزئة مثل نوردستروم ونيمان ماركوس أسقطوا خطوط إنتاج إيفانكا من حساباتهم منذ سنوات. واشتكى بعض الشركاء التجاريين السابقين من ممارساتها غير الأخلاقية .

لذا، تعتزم إيفانكا بدلا من ذلك أن تحمل علامة والدها السياسية إلى الأمام. ولكن بينما تعطي نيويورك ترمب “تحية البرونكس” (السخرية والاستهزاء)، فسوف يكون موقع انطلاق إيفانكا فلوريدا ــ الولاية التي فاز بها والدها في انتخابات 2016 وانتخابات 2020، وموطن منتجعه وناديه الريفي المبهرج Mar-a-Lago (مارالاجو).

في أواخر العام المنصرم، غَـيَّـر دونالد محل إقامته الرسمي من مانهاتن إلى منتجع مارالاجو، الذي يبدو عازما على جعله مقر إقامته الأساسي بعد مغادرته البيت الأبيض، رغم أن سكان بالم بيتش يقاتلون بشدة لمنعه من ذلك. من جانبها، اشترت إيفانكا مؤخرا قطعة أرض على الواجهة البحرية بقيمة 30 مليون دولار بالقرب من ميامي بيتش.

يشير هذا إلى أن إيفانكا ربما تفكر في الترشح لمجلس الشيوخ، وخاصة إذا كان والدها يخطط للترشح لإعادة انتخابه في عام 2024. ولكن نظرا لأن والدها فَـكَّـر صراحة في تعيينها نائبة للرئيس في عام 2016، فإن الأمر لا يخلو أيضا من احتمال أن يعمل “دونالد” من الخطوط الجانبية، في حين تسعى إيفانكا إلى احتلال صدارة قائمة الحزب الجمهوري في انتخابات 2024.

من منظور ترمب، ربما تكون إيفانكا المرشحة المثالية. فهي بلا روح ووحشية كوالدها، لكنها أكثر كياسة وتأدبا، ويبدو أنها تدرك جزئيا على الأقل عيوب ترمب. على سبيل المثال، من خلال كتابها الصادر في عام 2017 بعنوان ” نساء عاملات: إعادة كتابة قواعد النجاح “، حاولت تصوير نفسها كحلقة وصل بين الطموح والقدرة على اكتساب تعاطف الناس.

بطبيعة الحال، لم يتسن لأغلب النساء الناجحات الارتقاء بمساعدة سلم ترمب المتحرك الذهبي. بل صعدن على الدرج. ليس من المستغرب أن يبدو تعظيم إيفانكا لذاتها على أنه عديم الذوق على نحو مبالغ فيه من منظور العديد من “النساء العاملات”. في قمة مجموعة العشرين العام الفائت، بدت كريستين لاجارد ، مديرة صندوق النقد الدولي الإدارية آنذاك، مصدومة عندما أقحمت ابنة رئيس الولايات المتحدة نفسها في مناقشة بين زعماء العالم. كما أبدت دهشتها الشديدة في عام 2017، عندما جلست إيفانكا في مقعد والدها بين رؤساء الدول في قمة مجموعة العشرين.

لم يخترع ترمب المحسوبية ومحاباة الأقارب بالطبع، ومن المؤكد أن الأسر السياسية من التقاليد الأميركية القديمة. فقد استفادت هيلاري كلينتون وجورج دبليو بوش من شهرة الاسم أكثر من الإنجازات الفعلية. وما كانت ليز تشيني لتصبح واحدة من كبار الجمهوريين في مجلس النواب لو لم يكن والدها نائب الرئيس السابق ديك تشيني. وحتى يومنا هذا، نادرا ما تمر انتخابات دون أن يترشح لخوضها أحد أفراد أسرة كينيدي لمقعد في مجلس النواب.

وكيف لي، وأنا أحمل اسما مثل خروشوف، أن أثور ضد محاباة الأقارب؟ بادئ ذي بدء، لن يمنحني اسمي منصبا في الكرملين؛ بل على العكس من ذلك، في روسيا في عهد فلاديمير بوتن، أُذكَـر في كتب التربية المدنية كنموذج لكل ما لا يجب أن يكون عليه المواطن الروسي. وحتى عندما كان جدي الأكبر نيكيتا خروشوف يقود الاتحاد السوفييتي، لم تكن المحسوبية الصارخة خيارا واردا. وفي خمسينيات القرن العشرين، عندما جعل زوج ابنته أليكسي أدجوبي جزءا من فريق مستشاريه، بدأت الألسنة تلوك هذه الواقعة. في بيئة السياسة السوفييتية المتكتمة، نادرا ما يصبح أفراد الأسرة من الشخصيات العامة. وعندما قرر بوريس يلتسين، أول رئيس روسي بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، أن يجعل ابنته تاتيانا مستشارة رسمية له بمنصب في الكرملين، اعتبر النقاد ذلك خطوة فاسدة بدرجة صارخة.

ولكن حتى بين المستفيدين من المحسوبية ومحاباة الأقارب، يتجاوز آل ترمب حدود الفساد. فالمحسوبية من منظورهم هي مجرد بداية لاستغلال المنصب وإثراء الذات. لهذا السبب، يجب أن يثير امتهان إيفانكا السياسة قلق الجميع.

الواقع أن إيفانكا ترمب جشعة ونرجسية مثل والدها، ولا تقل عن الرجل الذي ترك زوجته على مدرج الإقلاع قسوة. وإذا انتهت بها الحال إلى كسر “السقف الزجاجي” الرئاسي في عام 2024 ــ ربما بعد هزيمة ليز تشيني في الانتخابات التمهيدية الجمهورية ونائبة الرئيس المنتخب كاميلا هاريس (التي تدين بنجاحها لعملها الشاق) في الانتخابات ــ فلن يكون هذا راجعا إلى كونها جديرة بذلك. وسوف تستخدم سلطتها تماما كما استخدمها والدها: لصالح آل ترمب وليس أي شخص آخر.

المصدر:project syndicate

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *