شهدت الساحة السياسية المغربية خلال الفترة الأخيرة حالة من الانقسام العميق داخل صفوف المعارضة البرلمانية، بعد الحماس الكبير الذي أبدته في البداية لفكرة تقديم ملتمس رقابة ضد الحكومة حول موضوع الدعم المخصص للمواشي. لكن سرعان ما تحولت هذه المبادرة إلى نقطة خلاف حادة، أدت إلى توقف التنسيق بين مكونات المعارضة، مما أفقدها قدرتها على المبادرة الفعلية، وأعطى الحكومة فرصة لتفادي المحاسبة البرلمانية.
الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، نبيل بنعبد الله، عبّر عن خيبة أمله بوضوح عقب إعلان الفريق الاشتراكي ـ المعارضة الاتحادية وقف التنسيق حول ملتمس الرقابة، واعتبر هذا القرار “إساءة للممارسة السياسية وصورة المعارضة المؤسساتية في البلاد”. بنعبد الله أشار إلى أن المبادرة تعرضت للإفشال مرتين، لأسباب وصفها بأنها ثانوية وهامشية، غير أنها أفقدت الملتمس قيمته كأداة محاسبة سياسية مهمة تجاه حكومة “أخفقت في الوفاء بالتزاماتها وتلبية انتظارات المواطنين”.
هذا الخلاف داخل المعارضة يكشف عن تنازع داخلي وتنافس على “الواجهة السياسية”، ما يعيد إلى الأذهان الانتقادات المتكررة التي تصف المعارضة المغربية بـ”الأنانية السياسية”. رغم نفي بنعبد الله لهذه الاتهامات تجاه حزبه، إلا أن تصريحات قيادات أخرى في المعارضة تؤكد أن التشتت وعدم التنسيق شكل عائقاً أساسياً أمام نجاح المبادرة.
من جهة أخرى، أثار انسحاب حزب الاتحاد الاشتراكي من المبادرة ردود فعل غاضبة من قِبل أحزاب المعارضة الأخرى، لا سيما حزب العدالة والتنمية الذي وصف القرار بأنه “سلوك غير مسؤول” و”عرقلة لعملية دمقرطة المشهد السياسي”. واعتبر رضا بوكمازي، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، أن انسحاب الاتحاد الاشتراكي يعكس موقفاً يكرس منطق التحكم في القرار العمومي لصالح مصالح خاصة، ويبعد المواطنين عن العملية السياسية.
في المقابل، أعلنت المعارضة الاتحادية ـ الفريق الاشتراكي في مجلس النواب وقف التنسيق مع باقي الأطراف، معللة ذلك بعدم وجود إرادة حقيقية لصياغة وتنفيذ الملتمس، مشيرة إلى أن المناقشات تحولت إلى “تفاصيل ذاتية وتقنية” بعيدة عن الأعراف السياسية، وأدت إلى تشويش إعلامي يمس بالمبادرة ويعطلها.
يُضاف إلى ذلك، أن الفريق الاشتراكي نبه إلى استمرار الممارسات الحكومية التي تحد من دور المعارضة، من خلال غياب الوزراء ورئيس الحكومة عن جلسات المساءلة، وتضييق عمل الرقابة البرلمانية، مما يضعف آليات المحاسبة ويهدد التوازن المؤسساتي المنصوص عليه دستورياً.
هذه التطورات تعكس واقعاً سياسياً معقداً، حيث تتصارع قوى المعارضة نفسها في ظل حكومة قوية تحكم المشهد باستراتيجية تستفيد من الانقسامات لتفادي المحاسبة. ويُطرح السؤال حول مدى قدرة المعارضة على تجاوز خلافاتها الداخلية وتوحيد موقفها لتفعيل آليات الرقابة الدستورية، التي تعد حيوية لضمان الشفافية ومحاربة الفساد، خصوصاً في ملفات حساسة كالدعم العمومي للمواشي، التي أثارت العديد من التساؤلات حول جدواها وموضوعيتها.
في الختام، يمكن القول إن فشل مبادرة ملتمس الرقابة يعكس تحديات بنيوية تواجه المعارضة المغربية، من حيث الوحدة والاستراتيجية، وأيضاً تحديات منهجية في مواجهة الحكومة التي لا تتردد في استغلال هذه الانقسامات للتمرير السياسي. أمام هذا الواقع، يظل الأمل معقوداً على قدرة القوى السياسية على تجاوز خلافاتها، واستثمار اللحظات السياسية المهمة لتقديم بدائل حقيقية تعزز الممارسة الديمقراطية وتعيد ثقة المواطنين في مؤسساتهم.