القدس العربي
صدر في فرنسا كتاب بعنوان «السيناريوهات السوداء للجيش الفرنسي، لفهم الأخطار التي تحدق بنا» يقدم دراسة وتأويلا للتحديات التي سيواجهها الأمن القومي لهذا البلد الأوروبي، في عالم متغير بسرعة كبيرة. ومن ضمن الطروحات الواردة فيه فرضية اندلاع حرب بين المغرب والجزائر خلال غشت 2025 التي ستضع باريس في وضع لا تحسد عليه.
هذا الكتاب من تأليف الباحثة ألكسندرا سافيانا، وصدر خلال مايو الماضي عن دار نشر عريقة وهي روبير لافون، ويتناول التحديات الكبرى التي تواجهها فرنسا في الوقت الراهن وستواجهها في المستقبل القريب.
والكتاب ينطلق من قراءة معطيات جيوسياسية تعج بها الساحة، لاسيما بعدما بدأ يسود التحليل الجيوسياسي في الجامعات، ومراكز التفكير ووسائل الإعلام، بعدما كان حكرا على المؤسسات العسكرية والاستخباراتية. والكتاب موزع على 11 فصلا، وكل فصل يعالج المواضيع الموجودة في أجندة الجيش والاستخبارات والدبلوماسية الفرنسية. ومن بين الفصول «افريقيا ونظرية الدومينو» التي تبدأ بمشهد هوليوودي خلال ديسمبر/كانون الأول 2025 حيث ستتعرض السنغال لعملية إرهابية من طرف الجماعات المسلحة في الساحل ضد المصالح الفرنسية، وستسبب أعلى نسبة من الوفيات في صفوف الفرنسيين في هذا البلد.
لتنتقل لاحقا الى التنافس الكبير حول افريقيا بين الدول الكبرى، وكيف تفقد فرنسا نفوذها في القارة السمراء.
وفي فصل آخر، تدرس وضع فرنسا الشائك جراء إقدام روسيا على غزو دول البلطيق، ثم الحصار الصيني لتايوان والصراع على الفضاء، ثم فصل حول الحرب الأهلية في كاليدونيا، وهي مستعمرة فرنسية ما وراء البحار. ومن ضمن هذه الفصول، يبقى الفصل المثير في الكتاب هو المعنون بـ»الحرب الجزائرية – المغربية».
تقول الكاتبة في مقدمة الكتاب إنها اعتمدت على مصادر متعددة لإغناء قراءتها للأحداث وتطوراتها، وتخص بالذكر الفصل الخاص بالمغرب والجزائر. وتكتب حول هذه المصادر «لم يتم تسمية جميع مصادر الكتاب. بعض كبار الضباط فضلوا عدم ذكر أسمائهم، لأنهم لا يزالون في مناصبهم، لذلك تم استخدام مقابلاتهم لإثراء السيناريوهات، دون أن تظهر أسماؤهم. كان هذا هو الحال على وجه الخصوص بالنسبة لفرضية المواجهة الجزائرية المغربية، التي من شأنها أن تتدهور إلى حد توريط باريس. وقد أثيرت هذه الفرضية بشكل خاص داخل الدولة، وفي مناسبات عديدة من قبل الاستراتيجيين، ولاسيما داخل الجيش».
وهكذا، يطرح الكتاب فرضية اندلاع الحرب يوم 17 غشت 2025 بقيام الجيش الجزائري باختراق الحدود الثنائية والدخول الى منطقة فكيك، وهي أراض مغربية ممتدة مثل الجسر في الأراضي الجزائرية، وسيتطور الأمر إلى مواجهات على الحدود لا تحسم لأي طرف، لكنها ستؤدي إلى انقسام في صفوف الجيش الجزائري، وقيام جناح منه بضرب الجنوب الفرنسي بصاروخ إسكندر، اعتقادا منه بدعم باريس للرباط.
وتستعرض الكاتبة الموقف الحرج لفرنسا لسببين، الأول وهو تاريخها الاستعماري في شمال افريقيا، الذي لن يجعلها مقبولة كوسيط بين البلدين، وهو ما سيدفعها الى الاستعانة بكل من روما ومدريد والاتحاد الأوروبي.
ثم اندلاع مواجهات بين المهاجرين المغاربة والجزائريين في مختلف مدن فرنسا. والمثير، وفق الكتاب، هو صمود الجيش المغربي في مواجهة التفوق الجزائري. ويؤكد الكتاب، أنه رغم أن المغرب لم يحصل على الدعم اللوجيستي الحربي الكافي، لاسيما وأن «الولايات المتحدة وإسرائيل ترفضان التورط في هذه الحرب» ينجح في إلحاق ضربات بالجيش الجزائري مثل، إسقاط بعض طائراته المتطورة من نوع سوخوي وإيقاف تقدمه.
ويشدد الكتاب على استعمال الجزائر للغاز لمعاقبة الدول التي ترغب في تأييد المغرب. يخلق سيناريو محاكاة الحرب الذي تتصوره الكاتبة انقساما بين مؤيد ومعارض، ففي آخر المطاف يتعلق الأمر بقراءة معيطات وتأويلها، لكن المعطى الأساسي في الكتاب هو ما أوردته الكاتبة بدراسة الجيش الفرنسي ورئاسة البلاد فرضية الحرب وعدم استبعادها نهائيا بين المغرب والجزائر.
انطلاقا من رؤية جيوسياسية من الجنوب، نحن نختلف نسبيا مع أطروحة ألكساندرا سافيانا، فهذه الأخيرة توحي لنا بقلق فرنسا والأوروبيين من اندلاع الحرب، غير أن معطيات أخرى أكثر عمقا في فهم حركة التاريخ وفهم أكبر للأمن القومي للدول الغربية، تجعلنا نقول برغبة الدول الأوروبية في اندلاع حرب بين المغرب والجزائر.
وقد عالجنا هذه الأطروحة في مقالات سابقة في هذه الصفحات، وتنطلق – هذه الدول الغربية – من الهاجس الرئيسي ليس بسبب اندلاع الحرب، بل لمستوى التسلح الذي حققه المغرب والجزائر، وكيف يقود التسلح إلى تغيير في صنع القرار الدولي، خاصة الإقليمي في غرب البحر الأبيض المتوسط. ومن ضمن هذه الأمثلة، حالة دول مثل إيران وتركيا وباكستان، وهي التي حققت قفزة نوعية في صناعة السلاح والتسلح، مما أدى الى بدء فرض تصورها في العلاقات الدولية دفاعا عن مصالحها. يوجد نقاش شائك حول جدوى سباق التسلح بين المغرب والجزائر على حساب تنمية شعبيهما، غير أن سباق التسلح هذ نتج عنه اقتراب في مستوى القوة العسكرية بين ضفتي غرب البحر الأبيض المتوسط، ويحدث هذا لأول مرة منذ أكثر من ثلاثة قرون، بعدما كان التفوق لفرنسا وإسبانيا وإيطاليا. في الوقت ذاته، لا يرتبط سباق التسلح فقط بزعامة منطقة المغرب العربي، بل لأن المغرب عانى من التحرش العسكري الإسباني، خاصة إبان مشكل جزيرة ثورة، وبدورها كادت الجزائر أن تتعرض سنة 2012-2013 لسيناريو شبيه بما وقع لنظام معمر القذافي في ليبيا، لولا سرعة موسكو بتزويدها بأنظمة دفاع جوي متطورة وهي إس 300 وإس 400.
إن «الإستبلشمنت» الغربي، خاصة الفرنسي والإسباني يتمنى وقوع الحرب بين المغرب والجزائر، لأن هذا يعني تدمير قوتين عسكريتين وازنتين نسبيا في جنوب المتوسط، إذ يكفي ما يعانيه من تقدم تركيا الحربي. والسؤال الذي يردده العارفون بحركية التاريخ في الغرب: ماذا لو اكتسبت القيادة السياسية في المغرب والجزائر وعيا جديدا يتجلى في ضرورة تجاوز الخلافات العميقة، والعمل من أجل الوحدة بين البلدين خلال السنوات