هل فعلا يتقاضى هذا الرجل 40 مليون شهرياً؟

بقلم مصطفى الفن

دعونا نعترف بأن هذا الاختراق “السيبراني” الذي تعرضت له بعض مؤسسات الدولة هو بالفعل زلزال من الخطورة بمكان ضرب البلاد والعباد..

لكن دعونا نعترف أيضا في الوقت نفسه أن هذا الاختراق كشف لنا حتى ما يشبه “الجرائم” التي يرتكبها البعض في حق المال العام وهو الأمر الذي يتطلب ربما دخول النيابة العامة على الخط..

شخصيا لم أفهم ولم أتفهم على الإطلاق كيف جرى هذا الذي رأينا في هذه التسريبات..

أقصد كيف يتقاضى مسؤول، منذ سنوات طويلة، 40 مليونا في الشهر الواحد من قناة تلفزية عمومية شبه مفلسة ولا يشاهدها أحد رغم الكفاءات العالية المعطلة..

كما أني لم أفهم ولم أتفهم لماذا لا يخرج صاحب ال40 مليونا إلى العلن ليدافع عن نفسه طالما أنه هو الذي “خدش” سمعة الوطن؟..

وبالطبع، كلنا يريد أن يعرف ما هي الخدمات “غير التقليدية” التي يقوم به المعني بالأمر على رأس هذه القناة حتى يستحق كل هذه الملايين التي ينطح بعضها بعضا؟..

ولماذا يفضل سعادة المدير العام أن “يفوض” أو يترك مهمة الدفاع عنه إلى مؤسسات في الدولة وإلى فاعلين آخرين كما لو أن السيد جزء من النظام العام؟..

والواقع أن مثل هؤلاء الذين ولدوا، وفي أفواههم ملاعق من ذهب، لا يستطيعون أن يدافعوا عن أنفسهم ولا أن يدافعوا عن وطن ولا عن سمعة وطن ولا عن رموز الوطن..

أمثال هؤلاء مستعدون ربما أن يفروا من الوطن في أي وقت لأنهم يختزلون الوطن في استفاد.. يستفيد.. سوف يستفيد..

ولا يهمهم ربما أن تتلطخ سمعة الوطن أو أن “تمرغ” فوق الأرض..

ثم إن هذا الراتب الغليظ السمين الثقيل لا يتقاضاه حتى الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون ولا أي رئيس دولة آخر في أوربا كلها..

كما أن رؤساء دول سابقين في دول نووية وعظمى يسكنون اليوم في شقق عادية جدا جدا..

أما عندنا هنا في أجمل بلد في العالم فهناك شخص واحد يتقاضى في شهر واحد ودفعة واحدة 40 مليونا في تلفزة عمومية..

أعترف بأني جد مصدوم حتى أني أتساءل:

هل نحن أمام مسؤول على رأس قناة تلفزية مغربية أم أننا أمام نجم في كرة القدم بعناه لنادي برشلونة أو ريال مدريد؟..

إنه الجنون بعينه حتى لا أقول إننا نكاد نسقط في المحظور:

“ولا تؤتوا السفهاء أموالكم”..

وفعلا إن الامر يتجاوز “السفه” أن نترك الناس في جبال الحوز يواجهون مصيرهم المجهول في وقت لا نجد أي حرج في أن نوزع هذه “الجبال” من الملايين على الذي يسوى والذي لا يسوى..

وأنا أنهي هذه التدوينة، تذكرت مقالا رائعا وعميقا كان قد كتبه الراحل جمال براوي، بخلفية اقتصادية، عن اتصالات المغرب..

حصل هذا عندما كانت هذه الشركة تحقق أرباحا خيالية لكن في واقع مغربي فيه الكثير من مظاهر البؤس والقبح والفقر..

جمال براوي انتقد “جشع” اتصالات المغرب قبل أن يؤكد أن بإمكان هذه الشركة أن تقلل من أرباحها ليربح المواطن ولتربح الشركة نفسها أيضا..

براوي قال إن هذا ممكن جدا ودون أن يمس ذلك بالتوازنات المالية لاتصالات المغرب..

وأنا أذكر بهذا لأقول للسيد المدير العام ومن معه من هؤلاء الذين يخربون “الفرشة المائية” لميزانية الدولة:

من غير المعقول أن تتقاضى أنت 40 مليون في الشهر الواحد، فيما قد تكون هناك امرأة نظافة تشتعل معك في نفس القناة لكنها غير قادرة على شراء كيلو سردين واحد أو حبة دواء واحدة لطفلتها المريضة..

سعادة المدير العام، ابحث من حولك وسوف لن تجد امرأة نظافة واحدة فقط، بل “أكيد” ستجد الكثيرين من المعذبين في الأرض وفي تلك القناة أيضا..
..
مصطفى الفن