هل فكرت يوماً أن تصحو من نومك لتجد ابنك الصغير أصبح “إرهابياً”؟

بقلم: الكاتبة رشا عمار
يبدو الأمر غاية في الرعب، لكن ما الأسباب؟ ربما أنت أهمّها، تذكّر عندما مارست عنفًا عليه في صغره، أو تركته فريسة للخلافات الأسرية، عندها وضعت فيه البذرة الأولى، التي نمت مع الوقت بفعل عوامل أخرى، لتصنع الصورة الأسوأ على الإطلاق من الإنسان الذي يقتل بدم بارد ويعيش حالة عداء مع الجميع.

في دراسة حديثة، يربط مرصد الأزهر لمكافحة التطرف بين التفكك الأسري ودوافع اعتناق الفكر المتطرف إلى حد كبير، وتؤكد الدراسة أنّ تفاقم ظاهرة التفكك الأسري أسفر عن تأثيرات سلبية عميقة على مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والنفسية للأفراد، في الوقت ذاته أصبح انتشار الأفكار المتطرفة بين الشباب مصدر قلق عالمي، خاصة في الدول التي تعاني من هشاشة اجتماعية واقتصادية.

بحسب الدراسة، يُعدّ التفكك الأسري من أبرز العوامل التي تسهم في تفشي هذه الظاهرة؛ إذ يشكل بيئة خصبة تجعل الشباب أكثر عرضة لتبنّي أفكار متطرفة تتسم بالعنف والتحريض، ويهدف هذا المقال إلى تحليل العلاقة بين التفكك الأسري وتوجهات الشباب نحو الأفكار المتطرفة، واستكشاف العوامل التي تجعل هذه الظاهرة أكثر انتشاراً في بعض المجتمعات، مع تقديم حلول عملية للحد من تأثيراتها المستقبلية.

ما هو التفكك الأسري؟

تعرّف الدراسة التفكك الأسري بأنّه انهيار أو تدهور في الروابط الأسرية، ممّا يؤدي إلى تراجع الاستقرار النفسي والعاطفي لأفراد الأسرة. وينشأ التفكك الأسري نتيجة لعدة عوامل، مثل الطلاق، أو فقدان أحد الوالدين، أو التوترات المستمرة داخل الأسرة التي تفضي إلى غياب التواصل والتفاهم بين أعضائها. ويتسم التفكك الأسري بوجود حالات من العنف الأسري، أو إهمال الأطفال، أو غياب أحد الوالدين سواء بشكل دائم أو مؤقت.

ويُعدّ التفكك الأسري من أكثر العوامل تأثيرًا في تربية الأطفال والشباب؛ حيث يُضعف البيئة الأسرية التي تعدّ المصدر الأول لتشكيل شخصية الفرد وبناء قيمه. وعادة ما يترافق التفكك الأسري مع ارتفاع معدلات الفقر، والبطالة، والعنف المجتمعي، ممّا يزيد من هشاشة الأفراد المعنيين، ويعزز مشاعر العزلة والضياع لديهم.

وما هو التطرف؟

مفهوم التطرف الفكري، حسب الدراسة، هو الميل نحو تبنّي أفكار متشددة ومتصلبة، تؤمن بمواقف لا تقبل التغيير أو التفاوض. وغالبًا ما ينبع هذا التطرف من حالة من الاحتجاج أو الرفض لما هو قائم، ممّا يدفع الأفراد لتبنّي أفكار تتسم بالرفض الكامل للأفكار الأخرى. وقد يتراوح التطرف بين مجالات مختلفة، مثل الدين أو الثقافة، وغالبًا ما يصاحبه أفعال عنيفة أو تحريضية ضد الآخرين.

يسعى المتطرفون إلى جذب الشباب بشكل خاص، الذين يكونون أكثر عرضة لتبنّي هذه الأفكار نتيجة للعديد من العوامل النفسية والاجتماعية، مثل التفكك الأسري. فالشباب الذين نشؤوا في بيئات أسرية مفككة قد يواجهون صعوبة في التمييز بين الأفكار السليمة والمتطرفة، ممّا يجعلهم فريسة سهلة للتنظيمات المتطرفة التي تستغل حالاتهم العاطفية المضطربة لتحقيق أهدافها.

ماذا يربطهما؟

يفتقر الشباب في الأسر المفككة إلى الدعم العاطفي والمادي الضروري، ممّا يعمق شعورهم بالوحدة والفراغ الداخلي. وعندما تنعدم البيئة الأسرية الآمنة التي تفيض بالحب والرعاية يصبح هؤلاء الشباب أكثر عرضة للبحث عن أيّ مصدر يملأ هذا الفراغ ويمنحهم شعورًا بالانتماء والقبول. في ظل غياب الدعم الكافي قد يجدون في بعض التنظيمات المتطرفة ملاذًا يوفر لهم إحساسًا زائفًا بالانتماء، ممّا يدفعهم في النهاية إلى تبنّي أفكار متشددة بحثًا عن هوية أو غاية يعوضون بها ما افتقدوه من استقرار عاطفي وأمان نفسي، وفق الدراسة.

وتشير الدراسة إلى أنّ الأسرة هي الحاضنة الأولى التي يتعلم منها الشاب القيم والمبادئ التي ترشد سلوكه وتوجهه في الحياة، ولكن في الأسر المفككة يعاني الشباب من نقص كبير في التوجيه والإرشاد، ممّا يضعف قدرتهم على اتخاذ قرارات سليمة ومبنية على أسس صحيحة. وعندما تنعدم الإرشادات التي تقدمها الأسرة يصبح الشاب ضائعًا في غياب الأطر الواضحة والمرشدة. في مثل هذه الأجواء قد يلجأ هؤلاء الشباب إلى تبنّي أفكار متطرفة باعتبارها مصدرًا يمنحهم شعورًا بالهدف والاستقرار، ويوجههم نحو مسار ظاهري يتسم بالوضوح، حتى وإن كان ذلك على حساب القيم الإنسانية السليمة.

الشعور بالوحدة والعزلة

يعاني الشباب في الأسر المفككة من شعور عميق بالوحدة والعزلة، حيث يفتقرون إلى الروابط العاطفية التي تشدّهم إلى أفراد أسرتهم. يجدون أنفسهم غير قادرين على التواصل الفعّال أو الحصول على الدعم العاطفي الذي يخفف من ثقل مشاعرهم. هذا الانفصال العاطفي يزيد من شعورهم بالضياع والعجز، ممّا يجعلهم أكثر قابلية للتأثر بالتنظيمات التي تقدّم لهم شعورًا زائفًا بالانتماء والتقدير، وتستغل تلك التنظيمات احتياجهم العاطفي مقدمة لهم ظلالًا من الانتماء والقبول، ممّا يدفعهم إلى الانخراط في أفكار وأفعال قد تكون بعيدة عن مبادئهم السليمة.

في بعض الأحيان يواجه الشباب في بيئاتهم الاجتماعية تحديات كبيرة، مثل التمييز العرقي أو الديني، ممّا يولد لديهم مشاعر الغضب والظلم؛ حيث يعاني هؤلاء الشباب من تجربة قاسية تتجلى في شعورهم بأنّهم مهمشون وغير معترف بهم، في ظل غياب بيئة أسرية توفر لهم إحساسًا بالعدالة والمساواة. ومع غياب الدعم العاطفي والإرشادي تصبح هذه المشاعر أرضية خصبة تستغلها بعض التنظيمات المتطرفة، فتقدم لهم أفكارًا تبدو كأنّها تسعى لتصحيح هذا الظلم، وتمنحهم إحساسًا زائفًا بالقوة والقدرة على التغيير. نتيجة لذلك يصبح هؤلاء الشباب أكثر عرضة لتبنّي أفكار متشددة، يرون فيها وسيلة للتعبير عن غضبهم واسترداد ما يشعرون أنّهم فقدوه.

أصبحت وسائل الإعلام والتكنولوجيا من أبرز العوامل التي تسهم في انتشار الأفكار المتطرفة بين الشباب؛ فشبكة الإنترنت، وبشكل خاص منصات التواصل الاجتماعي، توفر فرصة للتنظيمات المتطرفة للتواصل المباشر مع الشباب، والتأثير فيهم عبر رسائل يتم نقلها بسرعة وبطريقة غير مباشرة، بحسب الدراسة. وفي الوقت الذي يعاني فيه الشباب من ضعف في الروابط الأسرية والتواصل العاطفي، يصبحون أكثر عرضة للاستفادة من هذه المنصات للبحث عن أشخاص يشاركونهم الأفكار والمشاعر نفسها.

تستغل التنظيمات المتطرفة الوسائل التقنية الحديثة للتلاعب بمشاعر الشباب، من خلال تقديم محتوى يعزز مشاعرهم السلبية تجاه المجتمع، ويغذي إحساسهم بالوحدة والعزلة. وتعرض هذه التنظيمات حلولًا سريعة وبسيطة لمشاكلهم الشخصية، ممّا يجذبهم للانخراط في أفكار قد تبدو لهم وسيلة لتجاوز صراعاتهم الداخلية. كما أنّ هذه التنظيمات تستخدم وسائل الإعلام لبث رسائل تشجع على العنف والكراهية، وهو ما يدفع هؤلاء الشباب إلى تبنّي أفكار متشددة قد تهدد سلامتهم الشخصية، وتزعزع استقرار المجتمع من حولهم.

الأبعاد النفسية والاجتماعية

يترك تبنّي الأفكار المتطرفة أثرًا عميقًا على الشخصية النفسية للشباب؛ حيث يعزز مشاعر العدوانية والغضب، ويجعلهم أكثر تقبلًا للأفكار التي تحض على العنف، ممّا يزرع في قلوبهم مشاعر العداء تجاه الآخرين. كما يسهم التطرف الفكري في تعميق شعورهم بالعزلة الاجتماعية؛ فيميلون إلى الانسحاب من المجتمع الواسع، ويتجهون نحو تنظيمات مغلقة تشاركهم الأفكار المتشددة نفسها.

إضافة إلى ذلك، يؤدي تبنّي هذه الأفكار إلى تدهور صحتهم النفسية؛ إذ يغرقون في مشاعر القلق والضياع، ويصبحون محاصرين في عالم من الأفكار السلبية التي تسرق منهم الأمل في المستقبل. وهذا الوضع لا يزيد فقط من معاناتهم النفسية، بل يضاعف أيضًا الأزمة الداخلية التي يعيشونها نتيجة لغياب الاستقرار العاطفي في بيئاتهم الأسرية.

هل من حلول؟

يجب على الآباء والأمهات أن يدركوا تمامًا أهمية دورهم في بناء أسرة قوية ومستقرة، توفر لأطفالهم بيئة عاطفية وآمنة. وفي حالة حدوث التفكك الأسري ينبغي الاستعانة بالمستشارين النفسيين للمساعدة في إعادة بناء الروابط العاطفية مع الأبناء وتقديم الدعم اللازم لهم، ليشعروا بالاستقرار والتوجيه، وفق الدراسة.

بالإضافة إلى ذلك، من الضروري أن تأخذ المؤسسات التعليمية على عاتقها مهمة توعية الشباب بمخاطر الأفكار المتطرفة، من خلال برامج تعليمية تهدف إلى تعزيز القيم الإنسانية والمواطنة الفعَّالة. كما يجب تدريب المعلمين والمربين على كيفية التعرف على العلامات المبكرة للتطرف الفكري، والتعامل معها بحكمة وحساسية، ليتمكنوا من توجيه الطلاب بشكل إيجابي.

ويمكن استغلال منصات التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا الحديثة في نشر قيم التسامح والتعايش السلمي، وتعريف الشباب بالمبادئ الإنسانية السليمة. ويجب على هذه المنصات أن تكون موجهة نحو تعزيز رسائل السلام والاحترام المتبادل، مع توفير محتوى يعزز من روح التعاون والتفاهم بين أفراد المجتمع. ومن خلال هذه الحلول المتكاملة يمكن بناء جيل أكثر وعيًا وقوة أمام التحديات الفكرية، ممّا يسهم في حماية الشباب من الانجراف نحو الأفكار المتطرفة.

وتخلص الدراسة إلى أنّ التفكك الأسري يُعدّ أحد العوامل الرئيسية التي تدفع بالشباب نحو تبنّي الأفكار المتطرفة؛ حيث إنّ هذا التفكك يجعلهم أكثر عرضة للتأثر بالعوامل الخارجية التي تعدهم بحلول سريعة لمشاكلهم النفسية والاجتماعية. ومع غياب الدعم العاطفي والاستقرار الأسري، يصبح الشاب في حالة من الضياع والبحث عن أيّ مصدر يمنحه شعورًا بالانتماء والقبول. وللوقاية من هذه الظاهرة يجب على المجتمع بأسره أن يسعى لتعزيز استقرار الأسر، وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي اللازم للشباب في الأسر المفككة، حتى لا يجدوا أنفسهم فريسة للأفكار المتطرفة. كما أنّ دور المؤسسات التعليمية والمجتمع المدني لا يقلّ أهمية في توجيه الشباب نحو القيم المعتدلة، من خلال برامج ترشدهم إلى طرق التفكير الصحيحة التي تعزز من تماسكهم الاجتماعي، وتحميهم من الانزلاق إلى التطرف.