هل كان دعم الطماطم سليماً؟ ولماذا لم يساهم في خفض أسعارها؟

الجود باهية
في ظل التقلّبات المتواصلة التي يعرفها السوق المغربي، خصوصاً في أسعار المواد الغذائية الأساسية، برز دعم الحكومة لإنتاج بذور الطماطم كإجراء محوري يفترض أن يُسهم في استقرار الأسعار وتحقيق الأمن الغذائي. غير أن هذا التدخل، الذي رُوّج له كآلية فعالة لدعم الإنتاج المحلي، لم يُحقق النتائج المنتظرة، بل انتهى بشكل مفاجئ في منتصف ماي الجاري، ما فتح الباب أمام تساؤلات حقيقية حول سلامة هذا الدعم وفعاليته.

من الناحية النظرية، يُفترض أن يؤدي دعم بذور الخضر الأساسية مثل الطماطم إلى تقليص كلفة الإنتاج، وبالتالي خفض الأسعار عند البيع النهائي. لكن واقع السوق كشف عن مفارقة صارخة: فرغم تخصيص هذا الدعم لعدة أشهر، لم تنخفض أسعار الطماطم بشكل ملموس خلال فترات الذروة، بل ظلت مرتفعة، لا سيما في شهر رمضان، حيث بلغ سعر الكيلوغرام في بعض الأسواق مستويات غير مسبوقة.

الحكومة، في تبريرها لقرار الإلغاء، أقرت بأن آلية الدعم لم تكن فعّالة كما كان يُنتظر، مشيرة إلى وجود شبهات حول سوء استخدام المساعدات. وفي هذا السياق، تُطرح عدة علامات استفهام حول طبيعة توزيع الدعم، ومدى مراقبة وجهته الفعلية، وهل وصل فعلاً إلى الفلاحين المستحقين أم أنه تسرب إلى حلقات أخرى من السلسلة الإنتاجية دون أن يؤثر على الأسعار النهائية.

المزارعون، من جهتهم، عبّروا عن غضبهم من القرار المفاجئ، مؤكدين أنهم خططوا لمواسمهم الزراعية اعتماداً على استمرار الدعم المُعلن عنه في أغسطس 2023. وقد انعكس هذا الإلغاء بشكل فوري ومؤلم على الأرض، خصوصاً في جهة سوس ماسة، حيث أُلغيت آلاف الطلبيات من شتلات الطماطم، وهو ما يهدد بإتلاف نحو نصف مليون شتلة كانت جاهزة للزراعة.

هذا الوضع لا يكشف فقط عن قصور في نجاعة الدعم، بل أيضاً عن هشاشة العلاقة بين القرارات الحكومية والفاعلين الفلاحيين، الذين يجدون أنفسهم في مواجهة تقلبات لا تسمح لهم بالتخطيط ولا بالاستثمار على المدى المتوسط أو الطويل. وإذا كان الهدف من الدعم هو تحقيق توازن في السوق، فإن غيابه عن التأثير في الأسعار يدل على غياب شروط مكمّلة، مثل ضبط سلاسل التوزيع، والحد من المضاربة، وتعزيز الشفافية في تحديد الأسعار.

وفي ظل هذه المعطيات، يصبح السؤال الحقيقي ليس فقط: “لماذا لم يُخفّض الدعم الأسعار؟”، بل أيضاً: “هل نعاني من خلل في تصميم وتنفيذ سياسات الدعم الفلاحي؟”. فدعم البذور في حد ذاته لا يكفي إن لم يُواكبه تأطير فعلي، ورقابة صارمة، وتقييم دوري لمدى تحقق الأهداف المرجوة.

أمام هذا الواقع، تبدو الحاجة ملحّة لإعادة النظر في السياسة الزراعية برمتها، بشكل يربط بين الإنتاج والدعم، وبين الفلاح والمستهلك، بعيداً عن التدخلات الظرفية والقرارات المرتجلة. فاستقرار أسعار الطماطم لن يتحقق بالدعم وحده، بل بإصلاح شامل لمنظومة الإنتاج والتوزيع والتسويق.