هل لا زال بنكيران “ميسي السياسة” في المغرب؟

سعيد الغماز

أفرزت انتخابات 8 شتنبر خريطة سياسية جديدة في المغرب، احتل فيها الحزب الذي كان يرأس الحكومة المرتبة الثامنة. المقاعد التي أحرز عليها حزب العدالة والتنمية لم تبلغ العدد الذي يخوله تشكيل فريق برلماني، فهو بهذه النتيجة يمكن تصنيفه في خانة الأحزاب الصغيرة إذا اعتمدنا منطق النسبة المئوية للمقاعد التي يشغلها في مجلس النواب. إلا أن الاهتمام الشعبي والإعلامي الذي حظيت به الدورة الأخيرة لمجلسه الوطني وخاصة كلمة أمينه العام عبد الإله بنكيران، يجعلنا نقف على وضعية أخرى للحزب مغايرة لنتائجه في الانتخابات الأخيرة.

لقد لقيت كلمة بنكيران في المجلس الوطني اهتماما كبيرا فاق في حضوره الإعلامي والشعبي خطاب باقي الزعماء السياسيين في خرجاتهم الحزبية، بما فيهم زعماء الأحزاب الثلاثة المشكلة للحكومة وعلى رأسهم السيد رئيس الحكومة. فإلى جانب المنابر الإعلامية التي تناولت مُخرجات المجلس الوطني وتطرقت لكلمة بنكيران، اهتم رواد التواصل الاجتماعي بهذه الخرجة الإعلامية لزعيم حزب العدالة والتنمية، وتناولها المؤثرون في شبكات التواصل الرقمية إما على شكل تدوينات أو فيديوهات. وحتى المناوئون لبنكيران الذين اعتبروا محطة 8 شتنبر نهاية مسار حزب طبع الساحة السياسية خلال عقود، لم يجدوا بُدا من الحديث عن الخرجة الأخيرة لبنكيران، وهو ما أوقعهم في محضور اعتبار تلك النتائج بمثابة تقاعد قسري لميسي السياسة في المغرب عبد الإله بنكيران الذي ليس له من خيار آخر سوى اعتزال السياسة حسب زعمهم، واهتمامهم القوي بأي موقف يعبر عنه بنكيران والرد عليه في جميع خرجاته سواء الإعلامية أو الحزبية.

إذا كانت نتائج 8 شتنبر تعكس بالفعل انهيار الحزب ودخوله خانة الأحزاب الصغيرة، فمن المفروض أن يمر اجتماع مجلسه الوطني دون متابعة إعلامية لقراراته ومُخرجاته، ومن المفروض أيضا أن لا تلقى كلمة بنكيران في لقاء حزبي داخلي موجهة بالأساس لأعضاء الحزب، أي اهتمام سواء في وسائل الإعلام أو من طرف رواد وسائل التواصل الاجتماعي. فلماذا إذا هذا الاهتمام بكلمة بنكيران في الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي؟

لقد شكلت خرجات بنكيران مادة خصبة لكثير من المنابر الإعلامية للحفاظ على قرائها، وفرصة سانحة لرواد وسائل التواصل الاجتماعي على رأسهم المعارضين له، لاستقطاب المزيد من المتتبعين والمعجبين. فبعد الانتخابات الأخيرة وانسحاب حزب العدالة والتنمية من الحكومة، لم يجد رواد التواصل الاجتماعي في أحزاب التحالف الثلاثي المشكل للحكومة ولا في زعمائها الخطاب القوي والمواقف السياسية التي اعتادوها في حزب العدالة والتنمية خلال ترأسه الحكومة، وهو ما تسبب في تراجع إقبال المعجبين على صفحاتهم الالكترونية. فنجد بعض هذه الصفحات توارت إلى الخلف وفقدت قيمتها الاعتبارية في وسائل التواصل الاجتماعي، فيما اختارت أخرى نهجا مغايرا بالتحول من داعم للحزب الفائز في الانتخابات الأخيرة، إلى منتقد له بشراسة كبيرة تطرح الكثير من الأسئلة.

إن اهتمام المغاربة بدورة المجلس الوطني الأخير لحزب العدالة والتنمية وبكلمة أمينه العام، وما تبعه من اهتمام في وسائل الإعلام ومواقع السوسيال ميديا، تطرح على المهتمين بالشأن السياسي في المغرب، سؤال المكانة الحقيقية التي لا زال يحتلها الحزب في المشهد السياسي، وهل هي مكانة تعكسها بشكل واقعي نتائج 8 شتنبر؟

كثيرة هي المنابر الإعلامية والصفحات الالكترونية التي تتحدث عن تراجع حزب العدالة والتنمية لمصاف الأحزاب الصغرى، لكنها في نفس الوقت تظل تعطي للحزب اهتماما يفوق حتى الأحزاب الفائزة في الانتخابات الأخيرة والتي شكلت الحكومة، كما أنها تهتم بخرجات بنكيران أكثر من اهتمامها بالسيد رئيس الحكومة. فهل هذا يعني أن “ميسي السياسة” في المغرب لا زال يحظى بنفس الاهتمام كما كان في السابق؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *