هل يعيش المغرب نهاية النفوذ البنكي الفرنسي؟ خلفيات التحوّل الكبير

بقلم د ادريس الفينة

يشهد المغرب تحوّلاً غير مسبوق في منظومته البنكية، حيث تغادر البنوك الفرنسية الكبرى Société Générale ثم قريباً BNP Paribas السوق المغربي بعد عقود من الحضور، بينما تستحوذ مجموعات مالية مغربية قوية مثل Holmarcom وCFG على هذه الأصول الإستراتيجية. هذا المشهد لا يمكن قراءته كتغيير عابر أو مجرد “صفقات تجارية”، بل هو علامة على انتقال أعمق يعيد رسم توازن القوى داخل القطاع المالي ويكشف عن مرحلة جديدة من السيادة الاقتصادية المغربية.

انسحاب البنوك الفرنسية ليس نتيجة أزمة داخل المغرب، بل ثمرة توجه عالمي يطال المجموعات الأوروبية التي تواجه ارتفاعاً كبيراً في كلفة الامتثال للقوانين الدولية وتشدد الرقابة، إلى جانب ضغوط هامش الربح في الأسواق غير الأساسية. البنوك الفرنسية أصبحت اليوم أكثر ميلاً للعودة إلى أسواقها الأوروبية حيث العائد أعلى والمخاطر أوضح، بينما ترى أن وجودها في شمال إفريقيا لم يعد ضرورة استراتيجية كما كان في السابق. ما يحدث هو إعادة تمركز، وليس حكماً على الاقتصاد المغربي.

في الجانب الآخر من المشهد، يبرز صعود مجموعات مغربية عملاقة تمتلك القدرة المالية والإدارية لتملك بنوك بحجم SGMB أو BMCI. هذه المجموعات Holmarcom، CFG، Attijariwafa bank، البنك الشعبي لم تعد تكتفي بالنمو التدريجي، بل تبني أقطاباً مالية وطنية ضخمة قادرة على تمويل المشاريع الكبرى والتوسع نحو إفريقيا. الاستحواذ على فروع البنوك الفرنسية يمنحها شبكات زبناء واسعة، خبرات تقنية متقدمة، وقاعدة رسملة قوية. إنه تحول يعيد مركز الثقل البنكي من باريس إلى الدار البيضاء.

لكن خلف هذا كله توجد قراءة أكبر: المغرب يعيد ترتيب علاقاته الاقتصادية الدولية. وزنه الجيوسياسي المتنامي، وتحوّل تحالفاته نحو الخليج والولايات المتحدة وبريطانيا، ودخوله مرحلة مشاريع استراتيجيةالطاقات المتجددة، الهيدروجين الأخضر، البنية التحتية، مونديال 2030 جعلت حاجته إلى نظام بنكي وطني قوي، مستقل نسبياً، وقادر على المواكبة التمويلية أكثر وضوحاً من أي وقت مضى. القرار المالي في المغرب يعود تدريجياً إلى الفاعلين المحليين الذين أصبحوا يمتلكون القدرة والخبرة والتكنولوجيا.

وعليه، فما يحدث اليوم ليس “استحواذاً على الأبناك الفرنسية” بقدر ما هو لحظة إعادة تموقع شاملة. فرنسا تعيد حساباتها، والفاعلون المغاربة يصعدون بثقة، والقطاع البنكي يدخل مرحلة جديدة عنوانها ليس الانغلاق، بل السيادة المالية الذكية. سيادة تمارس في إطار السوق، دون صدام، ودون خسائر للطرفين، ولكن مع مكسب استراتيجي واضح: التحكم الوطني في قطاع كان تاريخياً تحت النفوذ الخارجي.

وإذا اكتملت صفقة BMCI، فسيكون المغرب قد أغلق فعلاً فصلاً طويلاً من تاريخه البنكي وفتح آخر أكثر جرأة، أكثر توازناً، وأكثر انسجاماً مع طموحه الإقليمي. إنها ليست نهاية الأبناك الفرنسية… بل بداية نموذج جديد حيث المغرب يملك أخيراً مفاتيح بيته المالي.