
تتواصل موجة النزيف التنظيمي داخل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وسط تزايد الاستقالات احتجاجاً على ما يصفه الغاضبون بـ”هندسة التمديد” لإدريس لشكر، الذي يستعد لولاية رابعة على رأس الحزب، في تحدٍّ مفتوح لمنطق التداول الديمقراطي وميثاق المسؤولية السياسية.
آخر الاستقالات جاءت بصيغة لافتة من عضو المجلس الوطني محمد أرحو، أستاذ التعليم العالي بتطوان، الذي أعلن انسحابه من جميع هياكل الحزب، ورافقها بخطوة رمزية مزدوجة عبر مغادرته لقطاع التعليم العالي الحزبي. أرحو، المعروف بانضباطه التنظيمي ونشاطه داخل المؤتمرات الوطنية والجهوية، بدا وكأنه يُطلق صفارة إنذار من داخل أسوار الحزب المنهَك، واضعًا استقالته في خانة فقدان الثقة بمسار سياسي اختزلته القيادة في شعار “الاستمرارية” على حساب الشرعية.
لكن استقالة أرحو لم تكن سوى حلقة في سلسلة استقالات مقلقة، من أبرزها انسحاب النقيب علال البصراوي، منسق قطاع المحامين، الذي غادر بهدوء بعد تمرير تعديل مثير للجدل على المادة 217 من النظام الأساسي، فتح الباب رسميًا أمام ترشح الكاتب الأول لولاية إضافية. تعديلٌ وُصف داخل الأروقة التنظيمية بأنه غطاء قانوني لتحكم مغلّف، ومقدمة لمؤتمر مفصّل على مقاس القيادة الحالية، التي لم تعد تحظى بإجماع حتى بين المقربين منها.
أنصار لشكر يبررون الخطوة بالحاجة إلى “الاستقرار التنظيمي” قبيل الاستحقاقات التشريعية المرتقبة سنة 2026، لكن معارضيهم يرون في هذا التبرير ذريعة سياسية لتبرير التمديد وتكريس الجمود، بل ومصادرة آخر ما تبقى من روح “الاتحاد”. فالحزب الذي كان يوماً واجهة للحداثة والتقدمية، بات يعاني من انكماش واضح، وانعدام الأفق، وتحول إلى هيكل يستهلك تاريخه بدل أن يصنع مستقبله.
الأخطر أن حالة السخط باتت صامتة، لكنها متجذرة. فمصادر من داخل الحزب تتحدث عن قاعدات تنظيمية تراقب بصمت، وبعضها يتأهب للانسحاب بهدوء، بعد أن أصبحت لغة الحوار شبه غائبة، والاختلاف مرادفاً للتهميش. ومع اقتراب المؤتمر الوطني الثاني عشر، تتكثف الكواليس حول “ترتيبات محسوبة” هدفها تأمين الطريق نحو ولاية رابعة، رغم تصاعد الأصوات التي تطالب بتجديد الوجوه والخطاب والخيارات.
اليوم، يجد حزب الاتحاد الاشتراكي نفسه عند مفترق طرق حاد. بين من يربط مصيره ببقاء إدريس لشكر، ومن يرى في ذلك عودة مكشوفة إلى منطق الزعيم الأبدي. غير أن المفاجأة الكبرى قد لا تأتي من القمة، بل من القاعدة الاتحادية التي بدأت تنفض يدها من مشروع فقد جاذبيته، وقيادة اختزلت “الوردة” في ولاية لا تنتهي.
