وزارة الصحة في قفص الاتهام.. عجز خطير في رعاية المرضى العقليين يهدد أمن المغاربة

هاشتاغ
تثير تصريحات النائبة البرلمانية سلوى البردعي، عن حزب العدالة والتنمية، بشأن تزايد اعتداءات المختلين عقليًا في عدد من المدن المغربية، تساؤلات جدية حول فعالية المنظومة الصحية في التعامل مع ملف الصحة النفسية والعقلية، ومدى جاهزيتها لحماية هذه الفئة ورعاية المجتمع في آن واحد.

البردعي دقت ناقوس الخطر، مشيرة إلى أن الفضاءات العامة باتت تشهد تهديدات متكررة من قبل أشخاص يعانون من اضطرابات عقلية، في ظل غياب حلول فعالة ومستدامة.

هذا التحذير النيابي لا يعكس فقط حالة قلق ظرفية، بل يكشف عن أزمة هيكلية عميقة تعاني منها منظومة الصحة النفسية في المغرب، حيث يفتقر البلد إلى الحد الأدنى من البنيات التحتية المتخصصة. فوفقًا لما صرّحت به البردعي، لا يوجد في المغرب سوى مستشفيين متخصصين في الأمراض العقلية، أحدهما في مدينة سلا (مستشفى الرازي) والآخر في مدينة فاس. في بلد يتجاوز عدد سكانه 36 مليون نسمة، يبدو هذا الرقم صادمًا ومؤشرًا على هشاشة المرفق الصحي النفسي، وعجزه عن تلبية الطلب المتزايد.

أما على مستوى الموارد البشرية، فالوضع لا يقل مأساوية. إذ لا يتجاوز عدد الأطباء النفسانيين في المغرب 450 طبيبًا، ما يعادل طبيبًا واحدًا فقط لكل 100 ألف مواطن، وهي نسبة ضئيلة بشكل كبير مقارنة بالمعايير الدولية. هذا النقص الفادح يعكس خللاً في السياسات العمومية الصحية، التي لم تولِ حتى الآن الاهتمام الكافي للصحة النفسية باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من الصحة العامة وركيزة من ركائز التنمية البشرية.

وتزداد الصورة قتامة حين يُسلط الضوء على الميزانية المخصصة لهذا القطاع. البردعي وصفتها بـ”الهزيلة”، إذ لا تتجاوز 2% من ميزانية وزارة الصحة. هذا الرقم يُفسر بشكل واضح الفجوة القائمة بين الحاجيات الفعلية والإمكانيات المتاحة، ويطرح علامات استفهام حول ترتيب الأولويات في السياسة الصحية الوطنية، خاصة وأن الأمراض النفسية والعقلية لا تُعد فقط مشكلات صحية، بل قضايا اجتماعية وأمنية أيضًا.

في ظل هذه المعطيات، تبرز الحاجة الملحة إلى مراجعة شاملة لسياسات الصحة النفسية في المغرب، تبدأ بإعادة النظر في الميزانية المرصودة، وتوسيع شبكة المؤسسات المتخصصة، وتكوين المزيد من الكفاءات في مجال الطب النفسي.

كما أن الوضع يتطلب تدخلًا حكوميًا عاجلًا لإنقاذ الفضاءات العامة من التحول إلى مساحات غير آمنة، وضمان كرامة المرضى العقليين من خلال توفير العلاج والرعاية اللائقة.

إن ترك هذه الفئة عرضة للتهميش، وعدم تخصيص الموارد الكافية لرعايتها، لا يمس فقط بحقوقها الإنسانية، بل يهدد أيضًا الاستقرار الاجتماعي ويزيد من تعقيد المشهد الأمني في المدن المغربية.

التصريحات الأخيرة للبردعي تمثل صرخة سياسية وشعبية في آن واحد، ينبغي أن تُترجم إلى إرادة سياسية واضحة وإجراءات ملموسة في القريب العاجل.