وزير الصحة يعفي السعيدي التي قاتلت من أجل حياة المغاربة في عز جائحة كورونا ويحـوِّل الوزارة إلى مقبرة للكفاءات النسائية

في خطوةٍ أثارت الكثير من الجدل داخل أروقة وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، قرر الوزير أمين التهراوي إعفاء الدكتورة نورية السعيدي من مهامها كمديرة جهوية للصحة بجهة الرباط سلا القنيطرة، بعد سنوات من العمل الميداني المكثف والتفاني في واحدة من أصعب الفترات التي عاشها القطاع الصحي خلال جائحة “كوفيد-19”.

القرار، المؤرخ في 23 أكتوبر 2025، وقّعه الوزير بنفسه، ووجّهه إلى عدد من المسؤولين المركزيين والجهويين، في خطوةٍ يراها كثيرون “صادمة وغير منصفة”، بالنظر إلى المسار المهني الحافل للسعيدي، التي كانت من بين الوجوه النسائية القليلة التي واجهت الجائحة من الميدان، وسهرت على تنسيق العمليات الصحية في عز الأزمة، عندما كان الخوف يسكن البلاد والمستشفيات تعمل في ظروف استثنائية.

فخلال تلك المرحلة العصيبة، لم تكن نورية السعيدي مديرة داخل مكتبها المكيف بحي الرياض، بل كانت امرأة بمثابة رجل دولة، تدير فرقها ليلاً ونهارًا، تتابع الحالات الميدانية، وتزور المراكز الاستشفائية بنفسها، وتتحمل ضغط المسؤولية بشجاعة.

ومع ذلك، جاءت مكافأتها بعد خمس سنوات من العمل المتواصل على شكل قرار إعفاء باردٍ ومفاجئ، دون أي اعتراف أو تقدير رسمي لما قدمته من خدمات جليلة في مرحلة أنقذت فيها المنظومة الصحية من الانهيار.

في المقابل، يرى مراقبون أن الوزير التهراوي يستسهل إعفاء النساء في قطاعه أكثر من أي فئة أخرى، وكأنهن “الحيط القصير” الذي تُعلَّق عليه كل أخطاء المنظومة، وذلك في مشهدٍ يوحي بأن “التمكين النسائي” داخل وزارة الصحة لا يزال شعاراً أجوف، بعيداً عن التوجيهات الملكية الواضحة التي دعت إلى المناصفة وتمكين الكفاءات النسائية من مواقع القرار.

ويكشف قرار الإعفاء هذا، الذي يُبرَّر إدارياً تحت ذريعة “إعادة الهيكلة”، عن تناقضٍ عميق بين الخطاب والممارسة داخل وزارة الصحة.

ففي الوقت الذي يتحدث الوزير في المنابر الاعلامية عن تحديث القطاع ورقمنته، يواصل تصفية الأطر الكفؤة التي راكمت تجربة ميدانية حقيقية. أما في الكواليس، فتُطرح تساؤلات جدّية حول من سيُعيّن مكانها، وما إذا كانت الاعتبارات الحزبية والانتماءات السياسية ستتحكم مجدداً في قرارات التعيين، كما جرت العادة في أكثر من حالة خلال العام الأخير.

وهكذا، تُطوى صفحة أخرى من نساء اشتغلن في صمت، وحملن أثقال الوزارة على أكتافهن في زمن الجائحة، بينما يجلس الوزير في المكاتب المكيفة يصدر قراراته على المقاس… وكأن العدالة الإدارية في وزارة الصحة لا تعرف طريقها إلا نحو النساء.